محمود درويش

الذكرى العاشرة لرحيل "محمود درويش".. "أثر الفراشة" لم يزل

في الذكرى العاشرة لرحيل شاعر فلسطين الأول "محمود درويش"، لا تزال تتردد في أصداء السماء عبارته الخالدة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، بعد أن تجاوزت كلماته حدود دولته المحتلة إلى فضاء المنطقة العربية التي طالما كانت جرحا نازفا في خاصرته، وخاطبها "سجل أنا عربي.. ورقم بطاقتي خمسون ألف".

ويعد "محمود درويش" واحدا من أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب، وله ما يزيد على 30 ديوانا من الشعر والنثر بالإضافة إلى 8 كتب مثلت إرثا تاريخيا وثقافيا ملهما لكل المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية.

نشأته ومسيرته المهنية

ولد "درويش" عام 1941 في قرية البروة في الجليل قبل أن تعيش النكبة وتهاجر عائلته إلى لبنان، حيث ظلت القضية الفلسطينية بالنسبة له الهم الأكبر فخرجت كتاباته صادقة بتفاصيلها الإنسانية الدقيقة التى تمنح القصيدة القدرة على الاستمرار.

ولم يسلم من مضايقات الاحتلال؛ حيث اعتقل أكثر من مرة منذ عام 1961، بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية؛ حتى أوائل السبعينات، حيث نزح إلى مصر، وعين في صحيفة الأهرام عام 1971، بتوجيه من "محمد حسنين هيكل"، وانتقل بعدها إلى لبنان، حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

واستقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، احتجاجا على اتفاق أوسلو.

وشغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وحرر في مجلة الكرمل، وأقام في باريس قبل عودته إلى وطنه، حيث إنه دخل إلى (إسرائيل) بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك، قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه، وسمح له بذلك.

وتوفي "درويش" في التاسع من أغسطس/آب 2008 بإحدى المستشفيات الأمريكية عن عمر ناهز 67 عاما بعد خضوعه لجراحة في القلب، عقب إصابته بانسداد في الشرايين.

الحداثة الشعرية والنموذج الإنساني

تم ترجمة أشعاره إلى عدة لغات، نشر آخر قصائده بعنوان: "أنت منذ الآن غيرك"، يوم17 يونيو/حزيران 2007، وانتقد فيها التقاتل الفلسطيني بينه وبين بعضه، والانشغال عن العدو الحقيقي، وهو الاحتلال الإسرائيلي.

شاعر الإنسانية لقب آثر بعض الشعراء العرب أن يطلقوه على الراحل بدلا من لقبه شاعر القضية الفلسطينية، لإيمانهم بما قام به من تجديد لقيمة الشعر العربي، فهو الذي حافظ على تقاليد القصيدة، وهو الذي قدم نموذجا فريدا على المستوى الجمالي في الحداثة الشعرية، ونموذجا إنسانيا أيضا.

ورغم ترديدة "أحن إلى خبز أمي" قبل أعوام طويلة، إلا أن الشارع العربي بشبابه ومثقفيه وبسطائه لا يزالون يحنون إلى أيام آمنة، حيث لم يكن هناك حزن أو حرب، طالما نادى بها "درويش" ما بين يأس وأمل.

ويقول عنه أمين الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الكاتب الإماراتي "حبيب الصايغ": "يعد درويش واحدا من أهم الشعراء في تاريخ الشعر العربي، وتعد دواوينه التي خلفها علامات أثرت في الوجدان العربي، وسيمتد أثرها إلى العقود والقرون القادمة، على المستويين الفكري والجمالي".

وأضاف: "محمود كان صوتا للقضية الفلسطينية، عبر عنها طوال ما يزيد عن ثلاثين عاما، وساهم في إبراز بعدها الإنساني والفني في الضمير العالمي، وأن تظل حية متجددة باعتبارها أكثر وأوضح القضايا عدلا في التاريخ الحديث".

شاعر لا يشبه أحد

"محمود درويش" الشاعر الذي لا يشبه أحدا، شاعر الأرض المحروقة والمخطوفة والمحتلة، بحسب الروائي والأديب "سليمان فياض"، يخط في النص السادس أو السابع من ديوان "أثر الفراشة"، خلاصة فكره وعواطفه وتجربته الأدبية واللغوية في كتاب أخير، ويمهد فيها لموت لن يطيل الانتظار حتى ينهي حياة الشاعر والكاتب الفلسطيني الأهم في القرن العشرين، قبل أن يرحل في نفس عام صدور هذا الديوان.

راكم "درويش" انكساراته الجديدة في عناوين قصيرة مصممة لما لا يتجاوز مئتي كلمة في النص النثري الواحد، بشكل يختلف عن "انكسار أوسلو" الذي غير المشهد الشعري لـ"درويش" بعد عام 1993، عام الصدمة التي نزلت على "درويش" وحيا من القصائد غزيرة الرمزية، تحمل سوداوية الانتقال إلى مرحلة التدريب على اليأس.

أما في ديوانه الأخير فيبدو "درويش" أنه يبد استعدادا للمقاومة حتى بالكلمات، بينما ترك فسحات صغيرة من أمل لا يخصه شخصيا على شكل "أزهار صفراء توسع ضوء الغرفة" و"حمامة تبني عشا في مدخنة" و"فتيات صغيرات".

بُني العنوان الرئيسي للديوان، على عنوان قصيدة "أثر الفراشة"، وهو ما دفع بالنقاد إلى التوسّع في شرح القصيدة، والبحث وراء رمزيتها، متعمدين بذلك على نظرية الفيزياء الشهيرة “أثر الفراشة” التي تقول بوجود روابط خفية بين الأحداث المختلفة، وأنه لا وجود أبدا للصدف.

ولعل تلك الصورة، هي الترجمة الفعلية لحالة "درويش" النفسية في أعوامه الأخيرة، حين التمس "خفة الأبدي في اليومي"، وآمن بالنهاية وما تتركه من سكينة، حين قال "أشواق إلى أعلى وإشراق جميل".

المصدر | الخليج الجديد