عبدالله عميرة

شهيد الراتب.. قصة معلم يمني مات على الرصيف جائعاً ومقهوراً (صورة)

يوم الرابع من يوليو الجاري، كان عبد الله عميرة يمشي على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء، قلبه ممتلئ بالوجع ورأسه مثقلاً بالهموم، وقد سقط على نحو مفاجئ قبل أن يتجمع حوله المارة ويقررون إسعافه إلى المستشفى، لكنه وصل جثة هامدة، وقال الأطباء أن قلبه توقف وأن الوفاة طبيعية، لم يكونوا يعلمون أنه مات جوعاً وقهراً بعد ثلاث سنوات من البحث عن راتبه المتوقف ووظيفته التي صودرت.

 

 

وعميرة 48 عاما ، مدرس حكومي بدأ حياته المهنية من مسقط راسه في مديرية المراوعة بمحافظة الحديدة (غرب اليمن)، قبل أن ينتقل للتدريس في العاصمة صنعاء، خلال رحلة استمرت نحو 25 عاما، منها خمس سنوات قاسية ظل فيها بدون راتب.

 

 

كان عميرة رجلاً قوياً ومدرساً مرموقا تخرج على يديه مئات الطلبة، ومناضلاً صمد أمام المال وإغراء المناصب، لكنه سقط أخيراً بسبب القهر والجوع ومصادرة راتبه ووظيفته، و قصته تلخص واقع مئات الآلاف من موظفي الدولة وغيرهم من اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب وقذفتهم إلى قاع الفقر.

 

 

لم يكن عميرة مجرد معلم، إذ عرفه الناس ناشطاً في الحزب الإشتراكي اليمني ومناضلاً وثائراً، كان ضمن طلائع ثورة فبراير 2011 ضد نظام صالح، ولذلك رفض السكوت على توقف الرواتب وحشد زملاؤه في احتجاجات تطالب الحوثيين بدفع رواتب موظفي الدولة في مناطقهم، وقد واجه الحوثيين مطالب المعلمين بالتهديدات والتلويح بالسجن والقتل.

 

 

بعد معاناة طويلة نتيجة توقف راتبه منذ سبتمبر 2016، وهو مصدر دخله الوحيد لإعالة أسرته وأطفاله، قرر المعلم عميرة أن يتوجه إلى مدينة عدن، حيث مقر الحكومة المعترف بها دوليا، للمطالبة براتبه، وظل عدة أشهر هناك يراجع المختصين في وزارتي التربية والمالية، لكن دون جدوى.

 

 

قال عادل الوهباني، رئيس النقابة الوطنية للتعليم العام:" التقيت الأستاذ عميرة في مبنى وزارة التربية والتعليم بمدينة عدن، خلال مارس 2019، يحمل مايحمله من أوجاع ومعانات إنقطاع مرتباته".

 

 

ونقل الوهباني على لسان عميرة، قوله:" خاطبني قائلاً أنا تربوي خدمت أكثر من خمسة وعشرون عاماً دون كلل أوملل وأعطيت لهذا الوطن والأجيال المتعاقبة كل قوتي وشبابي إيمانا مني برسالتي وحبي لمهنتي، واليوم من بعد هذا العطاء وهذه الرحلة أنا بلا مرتب وأنام على الرصيف وفي ساحات الحدائق وآكل من ما يجود به أصحاب المطاعم من بقايا أكل".

 

 

علمت سلطات الحوثيين بأن المعلم عميرة غادر إلى مدينة عدن، حيث الحكومة الشرعية، للمطالبة براتبه المتوقف منذ مطلع عام 2017، وأصدرت قرارا، منتصف 2019، بمصادرة وظيفته وفصله تعسفيا مع 216 آخرين من المعلمين على خلفية المطالبة برواتبهم، وضمن سياسة "تطهير" تقوم على إحلال موالين.

 

 

وأصدرت ميليشيا الحوثي الإنقلابية في العاصمة صنعاء، 30 سبتمبر 2019 ، قراراً بفصل أكثر من 200 معلم وموظف في وزارة التربية والتعليم بذريعة انقطاعهم عن العمل.

 

 

أوضح الوهباني أنه لاحقا عاد إلى صنعاء لكن المعلم عميرة ظل على تواصل مستمر معه، وقال الوهباني في منشور على صفحته بموقع التواصل فيسبوك : " كان دائم التواصل معي فاقترحت عليه أن يعود إلى مقرعمله وسأعمل بكل جهدي لمساعدته على المستوى الشخصي والنقابي لاستعادة وظيفته المصادرة ضمن قرار الخدمة المدنية والمالية بفصل الدفعة الأولى من المعلمين وعددهم 216 معلما".

 

 

عاد المعلم عميرة إلى صنعاء منتصف 2019، وبدأ رحلة أخرى شاقة، للبحث عن وظيفته، لكن كل نداءاته وتوسلاته لم تجد آذانا صاغية، ومات كرجل مجهول، جائعا ومقهورا، بدون وظيفة وبلا راتب.

 

 

وقال زميله حميد السدعي، :" عرفته شخصياً والتقيته كثيراً وهو يتابع لاستعادة درجته الوظيفيه بعد فصله، تعب كثيراً وعانى كثيراً ونام على الرصيف تحت الكراتين وسط برد صنعاء القارس وكم تلذذ الكثير بمعاناته وهو يدور من مكتب إلى آخر لعله يحضى بتوقيع مسؤول يعيد وظيفته".

 

 

وما زال نحو نصف مليون موظف يتركزون في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للحوثيين، بدون رواتب للعام الرابع على التوالي، ويعيشون ظروفا صعبة ويصارعون الجوع.

 

 

عميرة الذي لم يكن يمتلك أي دخل سوى راتبه، سبقه آخرون إلى نفس المصير، فقبله مات معلمون من الجوع والقهر، منهم المدرس محمد قحيم في مديرية الحوك، الذي ترك خمسة أطفال وزوجة ووظيفة حكومية ظل يخدم فيها بلا راتب منذ سبتمبر 2016.

 

 

وقال عبده العبدلي، صديق المعلم عميرة :" بين قهر انقطاع الراتب وظروف الحياة الصعبة يتساقط المعلمون، عبدالله عميرة رفيق دربي، خدم في مجال التدريس خمسة وعشرون عاما قضاها في تربية الأجيال، عمل معلماً بمدرسة خالد بن الوليد في مديرية "المراوعة" ثم انتقل إلى العاصمة صنعاء ليواصل مشوار عطائه في إحدى مدارسها".

 

 

وأكد العبدلي، أن عميرة كغيره من المعلمين كابد ظروف الحياة المعيشية القاسية بعد انقطاع المرتبات طيلة خمس سنوات لكن ظروف عميرة كانت أشد قسوة حيث طرده صاحب المنزل بعد أن عجز عن دفع الإيجارات المتراكمة عليه كما عجز عن شراء الدواء ليلتهم المرض كليتيه.

 

 

وقال العبدلي:" الرصيف وساحات الحدائق العامة كانت الملاذ الآمن ومحطته الأولى التي يمد فيها جسده المنهك وينام بعمق، ومطاعم العاصمة صنعاء كانت محطته الثانية التي يذهب اليها فترتي الغداء والعشاء حيث يجود عليه الناس بماتبقى من موائدهم كي يسد بها جوعه".

 

 

ووجّهت أزمة تأخر الرواتب الضربة القاضية لطبقة الموظفين في القطاع الحكومي الذين دخلوا في صراع مع الجوع، وسقطوا في دائرة الفقر الشديد.

 

 

وتلخص قصة وفاة المعلم عبد الله عميرة، وضع الطبقة المتوسطة التي تعرضت للتدمير خلال الحرب وتعيش في وضع إنساني وصحي كارثي، وقد باتت الغالبية العظمى منهم على حافة الخطر بعد انقطاع الرواتب منذ أربعة أعوام.