مطاعم اليمن

كيف نالت عاصفة "كورونا" من عمال المطاعم في اليمن.. تقرير

لم يكن راشد العماري، كبير العمال في أحد المطاعم الشهيرة في صنعاء، يتصور أن يجد نفسه يوما ما على قارعة الطريق بلا عمل، لكن قرار إغلاق المطاعم والمقاهي بسبب تفشي فيروس كورونا جرّد هذا العامل وفئة كبيرة في هذه القطاعات من أعمالهم، ودفع بهم إلى رصيف البطالة المستفحلة في بلد فقير أنهكته الحرب.

 

يصف العماري في حديث لـ"العربي الجديد"، حالته بالمزرية بعد أن فقد مصدر عيشه هو وأطفاله الخمسة وانسداد جميع الخيارات أمامه للبحث عن مصدر أخر للدخل.

 

وفي حالة أخرى تكشف عن معاناة العمال في هذا القطاع، فقد قاسم الفران، عمله بعد عشرين سنة من اعتلاء منصة طباخة "السلتة" وهي الوجبة اليمنية الشهيرة في أحد المطاعم بمنطقة صنعاء القديمة.

 

وعاد الفران إلى بيته تاركا عمله، حسب حديثه لـ"العربي الجديد"، لأن المطعم الذي يعمل به مثل المطاعم الأخرى تراجع الإقبال عليه بشكل كبير ما كبّد الملاك خسائر كبيرة في ظل هذا الوضع الصعب الخارج عن إرادتهم.

 

واتخذت اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة الخاضعة لسيطرة الحوثيين في 17 مايو/أيار الماضي قراراً يقضي بإغلاق المطاعم والكافتيريات والمقاهي في إطار الإجراءات الاحترازية التي تنفذها لمكافحة فيروس كورونا.

 

والتزمت المطاعم ومحال تقديم الوجبات الخفيفة بالقرار، حيث قامت برفع الطاولات والكراسي والتوقف عن استقبال الزبائن والمرتادين والقيام بالبيع خارج المطعم عبر الإبقاء على بعض البوابات وتلبية احتياجات الزبائن للخارج بدون الدخول أو عبر نوافذ محددة في واجهاتها، بالإضافة إلى خدمة الدليفري (التوصيل للمنزل).

 

في السياق، كان الشاب رأفت الشيباني، محظوظاً على حد تعبيره في الاحتفاظ بعمله بعد قيام مالك المطعم الذي يعمل به مضطراً بتسريح غالبية العمال والإبقاء على عدد محدود، نصف الطباخين بدرجة رئيسية وربع المباشرين (مقدمو الوجبات)، بينما احتفظ رأفت بعمله كمحاسب حسب حديثه لـ"العربي الجديد"، يباشر الزبون من نافذة صغيرة ويقطع له فاتورة بطلبه وتحويله إلى نافذة أخرى لاستلام طلبه.

 

وتواجه المطاعم والكافتيريات والمقاهي في مدن أخرى مثل عدن جنوب اليمن وتعز جنوب غرب وحضرموت شرق، نفس المصير، إذ تعاني من انخفاض كبير في الزبائن.

 

وتسبب فيروس كورونا في إيقاف الطفرة التي كان يشهدها قطاع المطاعم ومختلف الأعمال الخاصة بتقديم الوجبات، إذ ساهم الوضع الذي تمر به اليمن منذ ما يزيد على خمس سنوات في اجتذاب قطاع المطاعم جزءا من أموال تجارة الحرب باعتباره مجديا للاستثمار، مع تكون طبقة ثريه استهلاكية تبحث عن الترفيه وسط غالبية سكانية طحنتها.

 

كما تعد المطاعم والمقاهي قطاعا مغريا يجتذب أموال ومدخرات كثير من المغتربين العائدين من السعودية نتيجة الجبايات الباهظة التي فرضتها السلطات هناك إضافة إلى قرار سعودة كثير من المهن.

 

من ضمن هؤلاء كان طلال السحولي، الذي كان يستعد لافتتاح مطعمة في محافظة إب وسط اليمن بعد أن وصلت عملية التجهيز والإعداد لتدشينه لمرحلة متقدمة قبل تفشي فيروس كورونا الذي داهمه وأوقف مشروعه.

 

ويقول السحولي لـ"العربي الجديد" إن مشروعه كان سيشغل نحو 40 عاملا، وقد أصبحوا في حكم المسرحين من أعمالهم بعد إرجاء افتتاح المطعم إلى أجل غير مسمى.

 

واستقبلت المدن المستقرة والتي لم تطاولها الحرب في اليمن مثل صنعاء وإب وحضرموت أعدادا كبيرة من النازحين من مختلف المناطق المضطربة والتي طاولتها نيران الصراع الدائر منذ خمس سنوات. وأغلب هؤلاء الذين نزحوا كانوا أسرا مقتدرة وتجارا وأصحاب أعمال وجدوا في مثل هذه الأعمال الربحية ضالتهم لبدء مشاريعهم وأعمالهم الخاصة بهم.

 

وتجسد ذلك في انتشار المطاعم والمقاهي وارتفاع أسعار ليس فقط الوجبات بل مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية إلى جانب تسببهم بأزمة سكنية وارتفاع الايجارات.

 

بدوره، يقول الباحث الاقتصادي، أحمد السلامي، إن قطاع المطاعم في اليمن يجتذب ما يزيد على مليون عامل معظمهم من فئة الشباب وخريجي الجامعات، وكذا من فئة كبيرة من طلاب الثانوية بسبب الفقر الذي يجعل كثيرا من الأسر تدفع بأبنائها للعمل وتوفير متطلبات دراستهم واحتياجات عائلاتهم.

 

ويؤكد السلامي لـ"العربي الجديد"، أن مثل هذه القطاعات والأعمال وفرت مجالاً واسعاً لاستيعاب كثير من العمال والخريجين الذين لم يجدوا عملاً وكانت لهم هذه الأعمال بمثابة محطة "ترانزيت" حتى يجدوا مصدر رزق أخر ومنهم من ناسبه مثل هذه الأعمال وقرر الاستمرار.

 

ويعاني اليمن من مشكلة مزمنة منذ عقود تتعلق بمعدل النمو السنوي الكبير لقوة العمل والذي يفوق معدل نمو الاقتصاد الوطني، وبالتالي عجز الاقتصاد عن توليد فرص عمل لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

 

ويأتي ذلك، بالإضافة إلى اختلال التوازن بين الطلب والعرض في سوق العمل، فمصادر الطلب على العمل محدودة يواجهها عرض وفير، حيث إن مخرجات التعليم متزايدة، كما أن الداخلين إلى سوق العمل من الفئات العمرية الدنيا لا يحصلون على أي تدريب، مما يجعل النسبة الغالبة منهم في نطاق العمالة غير الماهرة، حسب مراقبين.