كورونا

كيف ضاعف "كورونا" معاناة النساء الحوامل في اليمن.. تقرير

بعد إعلان اليمن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الـ10 من أبريل الماضي، باتت النساء الحوامل في اليمن يخشين من حرمانهن من الخدمات الصحية؛ وذلك في ظل القيود المفروضة، والإجراءات المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا.

 

إذ تضاعفت معاناة المرأة الحامل في اليمن، بعد إغلاق الكثير من المستشفيات لأقسام الولادة، وكذا عيادات الأطباء الخاصة؛ نتيجة للأسباب ذاتها، وهي التي دفعت المرأة للجلوس في البيت، وعدم الذهاب إلى المستشفيات لإجراء الفحوصات اللازمة، خوفا من عدوى كورونا.

 

أدى انتشار فيروس كورونا، إلى عدم قدرة المستشفيات الحكومية في العاصمة صنعاء، على استقبال حالات الولادة، حيث أغلقت بعض المستشفيات أقسامها؛ نتيجة نقص الكادر الطبي؛ بعد انتشار الفيروس، حيث التزم بعض الأطباء والعاملين الصحيين منازلهم؛ خوفًا من الاصابة؛ لعدم توفر أدوات ووسائل الوقاية في مقار أعمالهم، بحسب ما ذكره الطبيب (ع.ق).

 

وفي حديثه لـ"الموقع بوست" قال (ع.ق) والذي يعمل موظفًا في مستشفى الثورة، أحد أكبر المشافي الحكومية بالعاصمة صنعاء -طلب عدم ذكر اسمه خوفا على حياته- أن قسم الولادة في المستشفى يكاد يخلو من الكادر الطبي"، مشيرًا إلى أن "المرأة الحامل التي تصل المستشفى لن تجد الرعاية التي كان يقدمها المستشفى للمرضى، وخاصة قسم الولادة فيه". 

 

الولادة المنزلية

 

لم يكن أمام الكثير من النساء الحوامل في اليمن بعد إغلاق بعض أقسام المشافي الحكومية والخاصة، وعيادات الأطباء الخاصة؛ نتيجة كورونا، والارتفاع الباهظ للأسعار في المستشفيات الخاصة؛ سوى الاكتفاء بالولادة المنزلية؛ رغم المخاطر التي قد تتعرض لها المرأة؛ نتيجة مضاعفات الولادة والتي قد تصل إلى الوفاة.

 

هاجر أحمد (22 عامًا)، أم لطفلة، في ربيعها الرابع من العمر، وحامل بطفل أخر، تقول: "كنت أنوي الولادة في مستشفى الثورة؛ ولكن بعد أن سمعت بخلوّه من الكادر الطبي؛ بسبب انتشار فيروس كورونا، قررت أن أحضر قابلة لكي تساعدني على عملية الولادة في البيت". 

 

تضيف هاجر لـ"الموقع بوست": "لا أستطيع أن أذهب الى المستشفيات الخاصة لعدم قدرتي على دفع المبالغ المالية المرتفعة الي تفرضها المستشفيات الخاصة على المرضى من جهة، وسوء وضعها المالي الذي لا يساعدها على ذلك من جهة أخرى". 

 

وفي الشأن ذاته، "خديجة علي"، وهي أم لأربع بنات، تذكر أنها حينما ولدت طفلتها الرابعة لجأت إلى الاتفاق مع الطبيبة المختصة، ونسقت مع إحدى المستشفيات الخاصة؛ لكي تلد بغرفة خاصة بعيدًا عن غرف الولادة العامة، حتى تضمن سلامتها وسلامة طفلتها من مخاطر فيروس كورونا.

 

تسمم الحمل

 

"بسبب تسمم الحمل فقدنا المولود مع أمّه..."، بهذه الكلمات اختزلت الدكتورة "عبير علي" طبية نساء وولادة، تعمل في أحد المراكز المتخصصة بالنساء والولادة بمحافظة صنعاء، معاناة النساء الحوامل في اليمن، واللاتي يترصدهن الموت أثناء الولادة، وتحديدًا مع انتشار كورونا.

 

تشرح الطبيبة "عبير" في حديثها لـ"الموقع بوست"، معاناة الأم الحامل بعد وصولها للمستشفى بالقول: "وصلت إلينا الأم الحامل (23 عامًا)، في شهرها الثامن، تحمل طفلها الأول، وتعاني من ارتفاع الضغط، وورم في الجسم؛ بسبب تسمم الحمل، وفور وصولها قمنا بعمل الفحوصات اللازمة، وقدمنا لها ما استطعنا من مساعدة حتى استقرت حالتها، وتحولت إلى قسم الرقود". 

 

واستدركت: "لم يدم كثيرًا استقرار حالة الأم، إذ حصل لها مضاعفات، أدت إلى توقف الأكسجين لديها بشكل مفاجئ". تضيف الدكتورة: "قمنا بتحويلها إلى قسم العناية المركزة، ووضعنا لها جهاز الأكسجين؛ إلا أن الحالة لم تستقر، حيث تضاعفت حالتها حتى توقف القلب عن النبض". 

 

وتستطرد حديثها بالقول: "بعد توقف القلب لدى المرأة؛ اضطر أطباء العناية المركزة لاستخدام جهاز الـCPR، ولم تستجب له، فتم تركيب جهاز التنفس الاصطناعي كمحاولة أخيرة لإنقاذ الأم والطفل إلا أننا في النهاية فقدناهما معًا".

 

أسباب الوفاة

 

تؤكد "عبير" أن المرفق الصحي الذي تعمل فيه (مركز حكومي مدعوم من المنظمات الدولية) يصل إليه أكثر من 50 امرأة حامل يوميًا، البعض للمعاينة، وإجراء الفحوصات، ومتابعة الحمل، والبعض الآخر للولادة.

 

وتُرجع أسباب المضاعفات المؤدية للوفاة لدى النساء الحوامل؛ إلى إصابة المرأة بـ"تسمم الحمل" والذي يرافقه ارتفاع الضغط والسكر، والذي يعد واحدًا من الأسباب الرئيسية لتعرض النساء الحوامل للموت"، حسب قولها.

 

تشير إلى أن من أسباب الوفاة لدى النساء الحوامل، هو "سوء التغذية" الذي تعاني منه النساء في اليمن، خصوصا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي باتت تعاني منها الأسر في اليمن، إضافة إلى تعرض النساء "للنزيف" والذي يحدث للحامل، وتفقد الكثير منه قبل أن تصل إلى المستشفى لإنقاذها".

 

وتوافق الطبيبة "نجلاء" ما ذكرته "عبير"، موضحة أنه "يصل إلى المرفق الصحي الذي تعمل فيه (مركز خاص بالأمومة والطفولة بصنعاء) ما يقارب من 60 امرأة حامل يوميًا، تتوزع بين المعاينة والولادة، وأن البعض من تلك الولادات تأتي في غير موعدها". 

 

وتُرجع "نجلاء" في حديثها لـ"الموقع بوست"، السبب في ذلك إلى "الضغط النفسي والارهاق الذي تعاني منه الأمهات، في ظل انتشار الأخبار السيئة عن انتشار فيروس كورونا، والبعض بسبب سوء التغذية"، مؤكدة "أن عددًا من الأمهات تفقد حياتها أو حياة طفلها أو حياتهما معًا بسبب ذلك".

 

تضيف أن "المستشفيات تعاني من نقص الأدوات الطبية، والأدوية الخاصة بأقسام الولادة؛ بسبب ظروف الحرب، وعدم وجود رقابة حقيقية على المستشفيات لتوفيرها، حيث يدفع المريض وأهله تكاليف كل شيء مما يجعلهم لا يلجؤون إلى المستشفى عند شعور الأم بألم المخاض على أمل أن تلد بالبيت، وفي حال تعسر الولادة يذهبون بها إلى المستشفى، ويصلون متأخرين فتصبح الأم أو طفلها ضحية، وتفقد الأم حياتها، أو حياتهما معا".

 

صنعاء وعدن ألم واحد

 

الوضع في صنعاء لا يختلف عنه في عدن (جنوب). فرغم اختلاف سلطات الأمر الواقع في كلا المحافظتين؛ إلا أن ما يجمعهما هو المعاناة، وقلة الكوادر الطبية في المشافي، وتفاقم معاناة النساء الحوامل.

 

"مريم نجيب" (29 عامًا)، حامل بطفلها الأول وتسكن في محافظة عدن. تقول مريم إن "أغلب الكادر الطبي غير متواجد في المستشفيات، والعيادات الخاصة، وباتت المرافق الصحية معظمها مغلقة".

 

تضيف: "أشعر بالتوتر والقلق من الحمى، وأشتكي من درجة الحرارة المرتفعة في عدن، وأن الجو خانق خاصة مع الانقطاع المتكرر والمتواصل للكهرباء".  

 

وتشكو مريم معاناتها من مرض الربو، وتخاف من إصابتها بفيروس كورونا، خاصة أن المناعة لديها ضعيفة، وقابليتها لاستقبال المرض حسب زعمها، مؤكدة أن "هذا الخوف أدى إلى أن تعزل نفسها بعيدا عن الناس، وأخذها كل إجراءات السلامة، للوقاية من كورونا.

 

تمضي مريم حديثها بالقول: "بحثت عن طبيبة بديلة لمتابعة حالتي، بعد أن أغلقت الطبيبة السابقة عيادتها، ولم تعد تستقبل حالات الولادة"، مشيرة إلى أن الوضع في عدن يمكن اختصاره بأن الموت خيارنا، فمن لم يمت بفيروس كورونا، مات اختناقًا بسبب انقطاع الكهرباء، والحرارة الشديدة"، حسب وصفها.

 

تعامل مختلف

 

وعن طريقة التعامل بين المرأة الحامل المصابة بفيروس كورونا، وبين المرأة السليمة، يقول "الطبيب (هـ.ق) والذي يعمل في مستشفى زايد بصنعاء والذي تم تخصيصه للعزل الصحي "إن التعامل مع المرأة الحامل المصابة بكوفيد-19 يختلف نسبيًا عن غيرها من الحالات". 

 

وأشار الطبيب -الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من جماعة الحوثي- في حديثه لـ"الموقع بوست"، إلى أن هذه الحالات "تخضع لمعايير مختلفة؛ نظرًا للأدوية المسموح استخدامها أثناء الحمل، والتي أهمها عمر الجنين، ودرجة الاصابة بالمرض mild moderate، sever، وحالة الجنين؛ وذلك من خلال الحرص على الحصول على استشارة طبيبة نساء وولادة، وعمل جهاز لتقييم حالة الطفل".

 

ويؤكد الطبيب أنه "من خلال عمله في مركز العزل بمستشفى زايد، وصول حالتين مصابة بكوفيد-19، الأولى عمر الجنين 8 أشهر متوفي، كان ظهور الأعراض منذ 20 يوما، وكانت في حالة متابعة لدى طبيبة نساء اختفت أعراض كورونا عدا الحمى، واستمرت بشكل متقطع؛ لكن مع ملاحظة اختفاء حركة الجنين عملت جهاز u/s وكانت النتيجة موت الجنين، وكان حضورهم للمستشفى من أجل إجراء عملية قيصرية للجنين المتوفي".

 

ولفت إلى أن "الحالة الثانية كان عمر الجنين 5 أشهر، مع إصابة متوسطة بكوفيد-19، حيث تم أخذ مسحة لعمل PCR وكانت النتيجة إيجابية، تم وضعها على برتوكول آمن أثناء الحمل، ومن خلال الملاحظة تحسنت حالة المريضة".

 

نصائح وارشادات

 

وعرضت الطبيبة رقية (مشرفة على عمليات الولادة في أحد المستشفيات الحكومية بصنعاء) أبرز النصائح للمرأة الحامل، وأهمها "الاستمرار في غسل اليدين، وتجنب لمس العين والأنف والفم، والابتعاد عن الأخرين بمقدار المسافة الآمنة".

 

وأضافت "رقية" في حديثها لـ"الموقع بوست" أن على "المرأة الحامل أثناء السعال أو العطس أن تعطس في منديل في أو في ثنيّة الكوع"، كذلك "إذا لديها حمى أو السعال أو صعوبة التنفس عليها بالأخذ من السوائل الدافئة مثل الليمون وغيره".

 

وأكدت على ضرورة أخذ المرأة للعوامل الوقائية، وأهمها "الدعم النفسي للحامل، وسرعة الذهاب إلى الطبيبة المختصة إذا شعرت بأي ألم أو غيره حتى لا يحدث لها مضاعفات خطيرة". 

 

وفاة امرأة كل ساعتين

 

تأتي هذه المعاناة في الوقت الذي كشفت فيه التقارير الأممية أن امرأة تموت كل ساعتين في اليمن؛ بسبب مضاعفات الحمل والولادة، ناهيك عن مخاطر الإصابة والعدوى والإعاقة.

 

ويذكر التقرير الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، الشهر المنصرم، أن "20 امرأة أخرى في اليمن تعاني من الإصابات أو العدوى أو الإعاقة التي يمكن الوقاية منها نتيجة مضاعفات الحمل والولادة أيضا".

 

وأكد التقرير الأممي أن "هذا هو الواقع الذي تواجهه حوالي 6 ملايين امرأة ومراهقة في سن الإنجاب في اليمن".

 

الخاسر الأكبر

 

وكان تقرير صادر عن موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، قد ذكر أن فيروس كورونا يصيب الرجال أكثر من النساء؛ لكن مع انتشار الفيروس عالميًا، بدا أن النساء الخاسر الأكبر، إذ يتحملن وطأة الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي بنسب مضاعفة مقارنة بالرجال.

 

وأظهرت دراسة حديثة أجريت على حوالي 44,600 مصاب بكوفيد-19 من المركز الصيني لمكافحة الأمراض، أن معدل الوفيات بين الرجال كان 2.8% مقارنة بـ1.7% للنساء. ولكن بطرق أخرى، ربما أقل وضوحًا، يبدو أن الفيروس يؤثر بشكل أكبر على النساء.

 

يأتي هذا في الوقت الذي تواجه النساء الحوامل مجموعة مختلفة تمامًا من التحديات، خاصة ضغوط عدم معرفة كيفية تأثير الفيروس التاجي كوفيد-19 على أطفالهن بالضبط.

 

وهكذا تظل المرأة اليمنية تعاني مرارة الحرب والنزوح، ومضاعفات الحمل والولادة والذي بات خطرا يهدد الحوامل اليمنيات، خصوصا في ظل تفشي انتشار فيروس كورونا، وانهيار المنظومة الصحية في البلاد. ويبقى السؤال: إلى متى تستمر هذه المعاناة؟

المصدر: الموقع بوست