كورونا

تقرير مفصل.. هل أجبرت جائحة "كورونا" اليمنيين على تغيير بعض عاداتهم القاتلة؟

َيّرَ فيروس "كورونا" الكثير من عادات الناس الدارجة حول العالم، بما في ذلك عادات وأعمال ما كان من الممكن التفكير يوما بالاستغناء عنها، أو تغييرها؛ وخصوصا بعض أساليب الحياة العامة المتخلقة حديثا بفعل الرأسمالية العالمية وملحقاتها الإقتصادية والتكنولوجية، وما رافقها من مظاهر معيشية حديثة..
 
وربما كان لسرعة؛ ومساحة تفشي؛ وطول فترة بقاء؛ الفيروس، وعدم إيجاد لقاح له حتى اليوم، دورا كبيرا في إجبار معظم الناس على تغيير أساليب حياتهم التي أعتادوا عليها لسنوات طوال. كما بدأ البعض بالتفكير- بشكل جدي- في إيجاد حلول وبدائل لجعل حياتهم الجديدة أقل تأثرا وتوترا، والتكيف مع ما كل ما يحيط بهم من تفاصيل إجبارية جديدة.
 
لكن، بالنسبة لنا كيمنيين: إلى أي مدى غيرت هذه الجائحة عادات مواطنينا وأسرنا؟!
 
على نحو إجمالي موجز؛ من المؤكد أن ثمة ممارسات حياتية، أعتيادية، كان لابد لها أن تتغير وتختفي بشكل جبري، إما كنتيجة طبيعية للإجراءات الاحترازية التي تم فرضها من السلطة؛ أو لما لجأ إليها البعض- أختياريا- لتجنب الإصابة بالفيروس القاتل..!!
 
في هذا التقرير، نحاول البحث في تلك التفاصيل الحياتية المعتادة التي تسنى لليمني تغييرها إضطراريا؛ مع التعريج، أو الإشارة- أحيانا- إلى بعض ما لم يتمكن من تغييرها، ولو قسرا..!!

 
"أعراس" بلا صخب
 
تعد احتفالات الأعراس، أو الزفاف، واحدة من العادات اليمنية الراسخة، والتي ربما تزيد عن غيرها من المجتمعات الأخرى، عالميا، أنها هنا في اليمن غالبا ما تستمر مراسيمها الاحتفالية لبضعة أيام متواصلة، سواء في منزلي العروسين، أم في خيام كبيرة تضرب وسط الشوارع القريبة، إلى جانب القاعات والصالات الكبيرة المخصصة لذلك.
 
ومع انتشار فيروس كورونا، وقرارات السلطات المحلية الملزمة بمنع الأعراس وإغلاق صالاتها، لجأ البعض إلى الاحتفال بزفافهم بطرق تقليدية؛ كالإكتفاء- مثلا- بعمل زفة (جولة) بالسيارات فقط للعروسين، مع عدد قليل جدا من الأقارب من الدرجة الأولى، وذلك منعًا للإختلاط بين الناس وتزاحمهم، وتفادي الإصابة بالوباء.
 
وهي طريقة عملية بسيطة، تؤيدها الشابة "أفنان حمود"، التي تؤكد لـ"يمن شباب نت" أنه في حال وجود مثل هذا الوباء، سريع التفشي عبر الإختلاط والتقارب الإجتماعي، فإنها لا تمانع أن يتم زفافها بتلك الطريقة. كون ذلك- حسب ما ترى- سيحافظ على سلامتها وزوجها وأسرتها.
 
وعن تأثير ذلك على عموم تفاصيل الفرح، بإعتبار اللمّة الأسرية وإحتماع الأحباب والأقارب أحد الأركان التي يقوم عليها الزفاف، تقول إن تلك الطريقة لا تعني عدم الفرح كليا، بل يمكن الأكتفاء حاليا بفرحة حدوث العرس نفسه وإجتماع العروسين في عش الزوجية، أما فرحة الإحتفال الصاخبة فقد يمكن تعويضها مستقبلا، أو السفر لاحقا كتعويض للفرحة.
 
 
إلتفاف باهض الثمن
 
ولم يوقف إغلاق قاعات الأعراس- بسبب انتشار فيروس كورونا- الاحتفال بمناسبات الزفاف بشكل كلي، حيث لجأ البعض إلى طرق أخرى تقليدية، كانت شائعة سابقا في البلاد..
 
أبرز تلك الطرق التقليدية القديمة، تمثلت بقصر الاحتفال بالأعراس في المنازل. وهو أمر يتعارض مع أحد أهم مبادئ الإجراءات الاحترازية الضرورية، القائم على مبدأ "التباعد الاجتماعي". حيث يكون المكان مكتظا بالمدعوين، ما يجعل الجميع عرضة للخطر بانتقال الفيروس وتفشيه حال كان هناك أحد المصابين، أو أكثر..!!
 
وطوال الفترة الماضية، التي أعقبت قرارات السلطة المحلية بوقف الأحتفالات الجماعية، رصد "يمن شباب نت" حدوث مثل تلك الإحتفالات الزفافية المنزلية في عدد من الأحياء. كما شوهدت أضواء/ وسمعت أصوات، العديد من الألعاب النارية الإحتفالية الخاصة بالأعراس، من وقت إلى آخر..!!
 
وأعربت "إيمان عبدالله"، لـ"يمن شباب نت"، عن شعورها بقلق شديد على حياتها وأسرتها، جراء حدوث مثل تلك الأعراس جوار منزلها في حي "الضربة". خصوصا وأن والدتها غالبا ما تضطر إلى حضور مثل تلك الأعراس، لعدم إيمانها أصلا بوجود وباء اسمه "كورونا" يمكن أن يتسبب بوفاة الناس.
 
وعلى عكس والدتها، تعتقد "إيمان" أن الازدحام الذي تشهده مثل تلك المناسبات، ربما يكون قد تسبب في تفشي وباء (كورونا) الذي انتشر مؤخرا في حيّها. ما جعل بعض جيرانها يستشعرون الخطر بعدما توفت بعض النساء، لاسيما الكبيرات في السن..!!
 


الصلاة في المنازل
 
شكَّل إغلاق المساجد، ومنع الصلاة فيها، أحد الإشكاليات الكبرى لدى الكثير من اليمنيين، خصوصا المسنيين منهم؛ كما هو حال الحاج "عثمان غالب"، الذي أعتاد على الصلاة في المسجد منذ ما يزيد عن خمسة عقود. الأمر الذي جعل من تغييره هذه العادة بمثابة "التغيير الأبرز في حياته" كما يقول.
 
وأوضح الحاج غالب لـ"يمن شباب نت" كيفية حدوث هذا التغيير، قائلا: "لأني كبير في العمر، سعى أبنائي إلى اقناعي بالتوقف عن الذهاب إلى الصلاة في المسجد حفاظا على حياتي، بعد تفشي فيروس كورونا، فرفضت ذلك في بادئ الأمر".
 
وأضاف: لكني لاحقا أضطررت إلى التوقف عن الذهاب إلى المسجد، حين شعرت بتزايد قلقهم أكثر، لاسيما مع زيادة انتشار الوفيات في المدينة، والذي كما يقولون بسبب فيروس كورونا.
 
وأشار إلى أن ما شجعه أكثر على اتخاذ مثل هذا القرار المؤلم هو "عدم وجود الكثير من المصلين في المسجد، على الرغم أن المسجد في حيِّنا ما زال مفتوحا حتى الأن"..!!
 
وحاليا أصبح الحاج غالب يؤدي الصلاة جماعة في منزله مع ابنه الذي يعيش معه، وأحفاده. الأمر الذي خفف عنه بعض الشعور بالألم جراء إفتقاده روحانية وعظمة وقيمة الصلاة في المسجد.
 
 
إكتساب مهارات جديدة
 
وبسبب تفشي فيروس "كورونا"، أيضا، لجأ البعض إلى ترك عادات حياتية أخرى، والتي قد تكون سهلة وبسيطة، وأكتساب مهارات جديدة بديلة عنها..
 
وعلى سبيل المثال؛ تخلى "محمد الكمالي" عن عادة حلاقة شعره في صالونات الحلاقة، وتدرب على الحلاقة في المنزل، كبادرة ذاتية بدأها منذ وقت مبكر، قبل الإعلان رسميا عن وجود حالات إصابة بكورونا في محافظة تعز.
 
وأوضح الكمالي لـ"يمن شباب نت"، أن القلق والخوف كان قد بدأ بالتسلل إلى قلبه مع سماعه عن وصول مسافرين إلى اليمن، بين وقت وآخر، ما جعله يبدأ سريعا بأخذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه وأسرته.
 
وإلى جانب ذلك، ونظرا لبقائه وقتا أطول في المنزل، أصبح يساعد زوجته أيضا في القيام ببعض المهام؛ كالطباخة وبعض الأمور المنزلية الأخرى، كما ساعد أبنائه على اكتساب بعض المهارات كاللغة الإنجليزية. وهو ما أتاح له- كما يقول- فرصة الاقتراب منهم أكثر، بعكس ما كان يحدث سابقا نتيجة غيابه عنهم لساعات طويلة يوميا بسبب ظروف العمل خارج المنزل.
 
 
ترك عادات سيئة
 
واضطر الكثيرون إلى البقاء في منازلهم أغلب الوقت، على غير العادة الدارجة لهم. كما أضطر البعض أحيانا إلى ممارسة العمل من على بعد، من داخل منازلهم، خصوصا أولئك المرتبطون بأعمالهم بدرجة ملحة، فاكتسبوا مهارات إضافية من خلال تعلم العمل على تطبيقات الكترونية حديثة؛ فيما كرّس أخرون المزيد من الجهد والوقت في سبيل خلق فرص عمل تجارية لهم عبر شبكة الإنترنت.
 
وفي سياق متصل، نجح بعض أصحاب العادات السيئة من التخلص منها، استجابة للظروف التي خلقها تفشي فيروس كورونا، كما فعل "عصام محمد"- الذي يعمل في تصميم المواقع الإلكترونية (شغل حر)- بإقلاعه عن عادة التدخين السيئة.
 
يقول عصام لـ"يمن شباب نت" إنه حاول مرارا التوقف عن التدخين، لكنه كان ينجح لبعض الوقت ثم يعود مجددا بشكل أكثر شراهة من السابق. ومؤخرا مع بقائه في المنزل بسبب كورونا، وسماعه عن تأثر المدخنيين بشكل كبير جراء هذا الفيروس القاتل، قرر أخيرا تركه بشكل كامل، ونجح في ذلك.
 
ويؤكد عصام  على أن العامل الأول والرئيس، الذي ساعده على التخلي عن هذه العادة السيئة، هو مخاوفه من مخاطر فيروس كورونا، الذي أكدت الأبحاث والدراسات على خطورته الكبيرة على المدخنين، وأعتبرتهم أكثر عرضة للمضاعفات حال إصابتهم به.
 
أما الأمر الأخر الذي ساعده على النجاح، كما يضيف، هو تزامن اتخاذه هذا القرار الحاسم مع شهر رمضان المبارك. فقد كان يضطر للصيام والتوقف عن التدخين لأكثر من عشر ساعات يوميا، ما ساعده على النجاح.
 
وفي سياق مشابه، يأتي التخلي عن عادة مضغ القات، في مرتبة أدنى بكثير. وبرغم كونها العادة الأكثر سيادة وتفشيا واستحكاما على عادات معظم اليمنيين، إلا أن القلق من إمكانية إنتقال فيروس كورونا عبره، ساعد البعض في التخلي عنه.
 
في حين ساعد ذلك الخوف، أعداد أكثر بقليل، على تغيير عاداتهم في مضغ القات بشكل جماعي، إلى الإقتصار على مضغه في المنزل، أو مع أعداد قليلة جدا، مع الأخذ بمبدأ التباعد الإجتماعي، إلى حد ما. فيما خفف البعض الأخر من فترات تناوله، سواء في ساعات اليوم، أم في عدد الأيام الأسبوعية..
 
 
مقاومة للتغيير
 
برغم أن عددا، لا بأس به، من اليمنيين تغيرت بعض عاداتهم بفعل ما فرضته جائحة كورونا من إجراءات وقائية وإحترازية؛ إلا أن هناك شريحة أخرى- قد تكون هي الأكثر في المجتمع- ظلت كما هيّ؛ تمارس كل ما كانت تمارسه في السابق، دون إحداث أي تغييرات حياتية جديدة، بغض النظر عن الثمن الذي قد تدفعه جراء ذلك الإصرار القاتل..!!
 
ومن بين هؤلاء، ذلك النوع المستهتر، الذي يتعامل مع الأمر بلا مبالاة مبالغ فيها، على الدوام..!!
 
وثمة نوع أخر، محكوم بـ"نظرية المؤامرة" الدولية، حيث ينكرون وجود فيروس جديد قاتل أسمه "كورونا"، مفسرين كل ما هو حاصل حاليا من حالات وفاة متزايدة، كنتيجة لامراض شائعة كـ"الحُمى الفيروسية" أو "الأنفلونزا" العادية، وغيرها من المصطلحات التي يشخصون بها الأمراض المتفشية حاليا..
 
على أن ثمة شريحة كبرى في البلاد، مغلوبة على أمرها، يمثلها أولئك المعوزون، المضطرون- قسرا- إلى عدم إحداث أي تغيير في أسلوب حياتهم، ولو من باب الإلتزام بالاجراءات الاحترازية والوقائية. ويعود البسبب في ذلك إلى حاجتهم الماسة للخروج والعمل بحثا عن أرزاقهم، لإطعام أسرهم.