علب بلاستيكية

انزيم معدل يحلل البلاستيك ويخلص الكوكب من اعقد مشكلاته البيئية

لمنظمة المجتمع العلمي اليمني

بعد انتهائك من شرب قنينة المياه المعدنية ربما تكون قد لاحظت "رقم واحد" أسفل القارورة محاطاً بثلاث أسهم بشكل مثلث. فإذا كنت في أحد البلدان المهتمة بتدوير المخلفات فحتماً ستعرف أنها ترمز للتدوير وربما تكون قد وضعتها في أحد المكبات المخصصة لذلك فور انتهائك منها.

الرقم واحد ما هو إلا الرمز التعريفي للبلاستيك الذي صنعت منه القارورة، ستلاحظ الرمز "PET" أيضا وهو الاختصار لمركب البولي أثيلين تريفثاليت الذي صنعت منه القارورة، وهو أحد أكثر البوليمرات شيوعاً في عالم الصناعة نظرا لما يتمتع به من قوة وخفه وزن وشفافية رشحته للاستعمال بشكل واسع لحفظ الأطعمة والمشروبات بشكل أساسي. كما أنه يدخل في صناعه الملابس "البوليستر"، حيث يتم إنتاج أكثر من سبعين مليون طن من البلاستيك نوع  PETسنوياً، ولا تتيح التقنية الحالية تدوير سوى 30 % فقط منه، الأمر الذي دفع الكثير من الباحثين والعلماء لتطوير طرق تدوير أكثر فعالية.

بدأ الأمر مصادفة عندما قام باحثون بريطانيون بسبر أغوار التركيب الجزيئي لإنزيم بكتيري معروف بشهيته نحو البلاستيك من نوع البولي اثيلين تريفثاليت((PET ، البكتيريا التي تحمل اسم Ideonella sakaiensis والتي تم اكتشافها في وقت سابق من قِبل باحثون يابانيون تفرز إنزيم يعمل على كسر البوليمرات البلاستيكية  إلى وحدات أصغر لتتغذى على الكربون كطعام لها، متمكنة بذلك من هضم وتحليل البلاستيك في غضون أيام بدلاً من مئات السنين. إنزيم (PETase) البكتيري الذي تم تعديله أثناء محاولة دراسته أثبت كفاءة تزيد بنحو 20% عن الإنزيم الأصلي وأعطى أملاً في إمكانية تحليل نوعاً آخر من البلاستيك يدعى البولي إيثلين فورانديكاربوكسيلات (PEF) من خلال حفر ثقوب في العينة. ولكن برغم كفاءة الإنزيم البكتيري المعدلIdeonella sakaiensis  إلا أنه لا يحقق الانتاجية المطلوبة.

في الثامن من شهر ابريل الجاري 2020، نشرت مجلة ساينس مقالاً عن انزيم جديد تمت هندسته بتعاون بين آلان مارتي، الرئيس العلمي في شركة البلاستيك المستدام Carbios الفرنسية مع إيزابيل أندريه، خبيرة هندسة الإنزيمات في جامعة تولوز، على مدى عامين. سمي الانزيم LLC ويمكنه تحويل 90  % من البلاستيك من نوع PET  إلى مواده الأولية في وقت قياسي، أقل من 10 ساعات،  ويصمد في درجات حرارة عالية تصل إلى 72° مئوية وهي الدرجة التي يبدأ عندها البلاستيك بالذوبان، لذلك رأى الباحثون أن انزيم LLC هو أفضل مرشح حالياً للبدء بعملية إعادة الهندسة والتطوير.

بعدها عمد الباحثون على دراسة التركيب البلوري وتوليد مئات الانزيمات المعدّلة عبر تغيير أحماضها الأمينية في المواقع التي تربط الإنزيم بالروابط الكيمائية لمكونات البلاستيك مع إضافة أحماضاً مثبتة للحرارة في كل مرة، ثم قاموا بعد ذلك بإحداث طفرات في البكتيريا لإنتاج قواطع فعّالة. الإنزيم المعدّل الذي تم عزله ثم جرى اختباره في مفاعل صغير أثبت فعالية تفوق ألف مرة الانزيم LLC في خطوة واعدة لإمكانية إعادة تصنيع البلاستيك من المواد الأولية دون الحاجة إلى المشتقات النفطية.

التقنية الحالية لإعادة تدوير البلاستيك تتمثل في تعريض البلاستيك لدرجة حرارة عالية والحصول على مادة أقل جودة وكفاءة تستخدم في صناعه السجاد والملابس الغير قابل لإعادة التدوير مره أخرى، والذي ينتهي به المطاف إلى الدفن أو الحرق مما يجعل الحاجة مستمرة لإنتاج عبوات جديدة من البلاستيك المستخرج من المشتقات النفطية.  لا يعتبر هذا تدويراً من الأساس بحسب وصف الباحث البريطاني McGeehan في تصريحه لمجلة ساينس. الجدير بالذكر أن البلاستيك يلعب دوراً مهماً في حياتنا ولا يمكن الاستغناء عنه ولكنه يخلف آثاراً بيئية وصحية بشكل مخيف، مما جعل الحاجة ملحّة للعثور على طريقة لإعادة تدويره وسد الطلب العالمي دون الحاجة إلى انتاج المزيد. بدأت شركة Carbios المنتجة للإنزيم المعدل العمل على إنشاء محطة لتدوير آلالاف من أطنان البلاستيك نوع PET فالإنزيم لا يستطيع إعادة تدوير أنواع رئيسية أخرى من البلاستيك، مثل البولي إيثلين والبوليستيرين فروابطها أصعب ولكن في حال نجاحهم يرى القائمون على الدراسة أن الانزيمات المعدلة ستكون التقنية الواعدة لحل أصعب مشكله بيئية يواجها الكوكب.


المصادر