اتفاق الرياض

التعثّر السعودي كنتيجة لإدارة ملف الحرب برؤيتين متناقضتين.. فشل سياسي مزمن في جنوب اليمن (تحليل)

الفشل في المناطق اليمنية "المحرَّرة"، ليس فشلاً في الخدمات والأمن فحسب، بل هو فشل سياسي مشهود

 

• الوقائع:

الخميس، 23 أبريل، كان من المقرَّر وصول الحكومة اليمنية إلى عدن للمساهمة، في معالجة آثار كارثة السيول التي أصابت المدينة وأودت بحياة 8 أشخاص، وألحقتْ دماراً كبيراً بالمنازل والممتلكات.

غير أن ما يُعرَف بـ "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتيا، كانت له طريقته في التعبير عن اعتراضه: لقد أمر قواته بالانتشار في مطار عدن ومحيطه متوعداً بمنع الطائرة التي كانت ستُقل رئيس الحكومة معين عبدالملك والوزراء من الهبوط.

كانت النتيجة تعطيل عودة الحكومة قبل إقلاع طائرتها من الرياض. ولم يتحرَّج المجلس الانتقالي في أن يصف ما قام به بـ"الخطوة التصعيدية التي يقودها الشعب والمقاومة حماية للمكتسبات وحفاظا على المنجزات الوطنية".

وزَعمَ المجلس، في بيان أصدره بعد نشر قواته في مطار عدن، أن حكومة معين عبدالملك فاقدة للشرعية بموجب اتفاق الرياض. وساقَ مجموعة من الأسباب التي قال إنها دفعته إلى التصعيد من بينها عدم التزام الحكومة بأداء المهام المنصوص عليها في بنود اتفاق الرياض، بحسب البيان، إضافة إلى منع فريق الانتقالي في اللجنة المشتركة لتنفيذ اتفاق الرياض (أعضاء هيئة الرئاسة، رئيس وأعضاء وحدة شؤون المفاوضات بالمجلس) وكذلك مدير أمن عدن، اللواء شلال علي شايع، من العودة إلى عدن.

السبت، 25 أبريل، الإنتقالي يقدم على خطوة تصعيدية جديدة: الإعلان عن ما أسماها بـ"حالة الطورىء" وفرض "الإدارة الذاتية" للجنوب، دون أن يحدِّد بالتفصيل ما يعنيه بهذا القرار.

وجاء في بيان مذيَّل باسم عيدروس الزبيدي رئيس المجلس "يعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية للجنوب اعتباراً من منتصف ليل السبت 25 ابريل 2020، وتباشر لجنة الإدارة الذاتية أداء عملها وفقاً للمهام المحددة لها من قبل رئاسة المجلس".

وقال البيان أن المجلس يعلن "حالة الطوارئ العامة في العاصمة عدن وعموم محافظات الجنوب، وتكليف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية بالتنفيذ اعتبارا من يوم السبت (25/4/ 2020)".

بعد ذلك، أعلن محافظي شبوة وأبين وحضرموت والمهرة وسقطرى ولحج، وهي أغلبية المحافظات الجنوبية، عصيانهم لخطوة المجلس الانتقالي وتمسكهم بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي. 

يوم الأحد 26 أبريل، أصدر التحالف بقيادة السعودية بيان "استغرب" فيه الخطوة التصعيدية من جانب المجلس الانتقالي، داعياً إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وإلغاء الخطوات المخالفة لـ"اتفاق الرياض".

وطوال شهر أبريل، نشبتْ العديد من التوتّرات العسكرية في محافظة سقطرى وميناء بلحاف في محافظة شبوة وفي محافظة أبين التي ينقسم فيها النفوذ بين كلّاً من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إمارتياً والقوات الموالية للرئيس المعترف به في الأمم المتحدة عبدربه منصور هادي.

وعلى الرغم من أن الأوضاع هناك لم تخرج بعد عن سيطرة التحالف بقيادة السعودية، إلّا أنها قد تكون مرشحة للتفاقم في الفترة القادمة.

 

• رؤيتين متناقضتين في نقاط حسَّاسة:

الأسلوب المتطرف في الاحتجاج والتصعيد، هو جزء من الصورة التي يعمل المجلس الإنتقالي على تكريسها عن نفسه كمجموعة ثورية تقول أنها تكافح في سبيل "الاستقلال". والسعودية أصبحتْ هي المعنية بالتعامل مع التحدِّي أكثر من حكومة هادي. لكن السعودية لا تريد الظهور في الواجهة كعدو للإنتقالي الذي بدوره لا يُرفق خطواته التصعيدية بأيّ مسحة من العداء للمملكة.

ومع ذلك، من الصعب ألّا نعتقد بأن شطراً مهمّاً من التعثّر السعودي في اليمن لم يكن سوى ثمرة لإدارة ملف الحرب برؤيتين متناقضتين في نقاط حسَّاسة: فإلى جانب رؤية الرياض، قائدة التحالف، ظَهرتْ، مع مرور الوقت، رؤية منافسة من الظل يعتنقها العضو الثاني في التحالف وهو الإمارات العربية المتحدة، الرؤية التي على أساسها تم إنشاء وتقوية منظمة سياسية وعسكرية جديدة اسمها "المجلس الانتقالي الجنوبي".

لم يتوقف برنامج إعداد وتشجيع هذه المنظمة الإنفصالية عند حد معيَّن، بحيث تبقى الأمور -على الأقل- في حالة من التوازن على الأرض بين من تدعمهم الإمارات بشكل خاص ومن تدعمهم السعودية، بل سمحتْ أبو ظبي للمجلس الانتقالي الجنوبي بأن ينمو ويتعملق على حساب قوة ونفوذ شرعية الرئيس هادي، ومعه بالطبع عدد من القيادات الحكومية، مدنية وعسكرية، وبعض القوى السياسية الحليفة لهادي وأهمها حزب الإصلاح. هذا المسار انتهى بتصفية ما يُفترض أنها السلطة الشرعية المعترف بها دوليا، تماماً، من مدينة عدن التي أُعلنتْ، منذ العام 2016، عاصمة مؤقّتة للجمهورية اليمنية.

لا نعرف إن كان كل شيء قد تم على مرأى ومسمع السعودية، ما نعرفه هو أن المجلس الانتقالي - منذ البداية- كان استثماراً إماراتياً صافياً، وهو يتمتَّع حالياً بكافة مزايا السيطرة على عدن.

في اتفاق الرياض، 5 نوفمبر 2019، بدا، وعلى نحو ساخر، كما لو أن الإمارات قد وافقتْ فقط على إعارة المجلس الانتقالي الجنوبي للمملكة العربية السعودية، انطلاقاً من روح الإخاء، إعارة مشروطة. وهذا يعني أن تنتفع به الأخيرة، لكن بما لا يتناقض مع أهدافه ومصالحه. لقد تخلَّتْ أبو ظبي إسمياً عن استثمارها الخاص، لكنها ظلَّت تراقبه عن كثب وترعاه، فاطمئنانه لها بلا حدود.

والسعودية لم تمانع في الانتفاع به فعلاً، لكن أيضاً بشروطها وأولوياتها. فصل جنوب اليمن عن شماله، الهدف الذي ينادي به الانتقالي، ليس النغمة التي تزعج المملكة، رغم أنها لا تريد الإنفصال الآن.

بعد مضي أكثر من خمسة أشهر، لا تزال البنود الرئيسية في اتفاق الرياض تنتظر التنفيذ الذي يتبادل الطرفان الاتهام بعرقلته.

وقد نص الاتفاق على عودة الحكومة إلى عدن، وتشكيل حكومة جديدة مكونة من 24 وزيراً مناصَفة بين الشمال والجنوب خلال شهر من تاريخ التوقيع، وإعادة تنظيم القوات الحكومية وقوات الانتقالي تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية.

كما يقضي بانسحاب القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة لأحداث أغسطس الماضي، ومعالجة الوضع الأمني والعسكري في عدن، وتعيين محافظ لها، ومحافظ لمحافظة أبين المجاورة، وهو ما لم يدخل حيز التنفيذ حتى هذه اللحظة.

أمّا أقصى ما كانت تطمح إليه السعودية من اتفاق الرياض، فهو أن يتحقَّق بناء عليه نوع من التجاور والوفاق، ولو على نحو مؤقَّت، بين استثمارها الأصلي المتمثِّل في هادي وحكومته، واستثمار حليفتها، المُعار إليها، والمتمثِّل في المجلس الانتقالي. وإن بلوغ غاية كهذه يتطلَّب المعجزات.

 

• الاستثمار في إمكانية متوفرة مسبقاً:

بيد أن ارتباط المجلس الانتقالي بالإمارات لا يفسِّر جميع تصرفاته. كل ما فعلته الإمارات هو أنها استثمرت في إمكانية سياسية كانت متوفرة مسبقاً، ولم تأتِ بها من العدم. الأمر لا يقتصر فقط على رغبة إماراتية في فصل الجنوب ونبذ هادي وفريقه ومنعهم من الإقامة في عدن.

هناك واقع جنوبي تم إعداده وتهيئته، منذ زمن طويل، لاحتضان النزعة التي يعبّر عنها المجلس الانتقالي، وهي إحدى النزعات الرئيسية التي جرى تعبئتها وتسليحها وتوظيفها لـ"تحرير" عدن والجنوب بدعم واطّلاع من التحالف بقيادة السعودية.

المجلس الانتقالي، ومعه كافة التشكيلات العسكرية والفصائل المهيمنة في عدن ومحافظات الجنوب، نشأت على أساس الفكرة السياسية الجنوبية، ولا يربطها بموضوع الشرعية الدستورية للجمهورية اليمنية أيّ رابط. وتفتقر شرعية هادي لقاعدة سياسية متماسكة على الأرض أو كتلة عسكرية منظَّمة تدين له بالولاء.

وهكذا، في جنوب اليمن، اللاعب الوحيد الموجود بوضوح في مقابل السعودية، حتى هذه اللحظة، هو الإمارات، فضلاً عن حضور غير مرئي لسلطنة عمان التي من المرجَّح انخراطها في الاضطراب القائم بمحافظة المهرة اليمنية المتاخمة لها. غير أن التطورات قد تتجه في المستقبل نحو تهيئة فعلية لدخول أطراف أخرى حلبة الصراع عبر الوكلاء المحليين في أحد أفقر البلدان على مستوى العالم.

المصدر: المصدر أونلاين