الرئيس اليمني- عبدربه منصور هادي

مأزق الجنوب ناجم عن عدم القدرة على الاختيار.. إلى أين تتجه محاولة التوفيق بين "الانتقالي" وحكومة الرئيس هادي؟

الوضع في جنوب اليمن يعبِّر عن مأزق سعودي ناجم عن عدم القدرة على الاختيار. في الآونة الأخيرة، تركَّزت التوتّرات العسكرية في محافظة سقطرى وميناء بلحاف في محافظة شبوة وفي محافظة أبين التي ينقسم فيها النفوذ بين كلّاً من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إمارتياً والقوات الموالية للرئيس المعترف به في الأمم المتحدة عبدربه منصور هادي.

وعلى الرغم من أن الأوضاع هناك لم تخرج بعد عن السيطرة من جانب التحالف بقيادة السعودية، إلّا أنها قد تكون مرشحة لتفاقم خطير في الفترة القادمة. قبل أيام، عقد ممثلين عن طرفي الانقسام الجنوبي اجتماعا في مقر التحالف بمدينة عدن يهدف - كما قيل - إلى خفض التوتر الأخير الذي شهدته مناطق زنجبار وشقرة في أبين وميناء بلحاف النفطي التابع لمحافظة شبوة، إضافة إلى بؤرة الصراع الأخرى في جزيرة سقطرى.

وفي الواقع، إذا كان هناك من قوة إقليمية تقف بوضوح في مقابل السعودية في الجنوب، حتى هذه اللحظة، فهي الإمارات، فضلاً عن حضور غير مرئي لسلطنة عمان التي من المرجَّح انخراطها في الاضطراب القائم بمحافظة المهرة اليمنية المتاخمة لها. غير أن التطورات قد تتجه في المستقبل نحو تهيئة فعلية لدخول أطراف أخرى حلبة الصراع عبر الوكلاء المحليين في أحد أفقر البلدان على مستوى العالم.

ولقد بات من الواضح عدم جدوى السياسة السعودية التي تقوم على الوقوف في منطقة وسط بين التيار الجنوبي الانفصالي المدعوم إماراتياً والتيار الجنوبي الآخر الذي يضم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض وعدد من القيادات الحكومية، وبالطبع إلى جانبهم حزب الإصلاح. 

اتفاق الرياض، الموقَّع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في 5 نوفمبر 2019، كان أشبه بمحاولة للتوفيق بين التيارين برعاية سعودية، وبالتالي تأجيل الاختيار. وبعد مضي أكثر من خمسة أشهر، لا تزال البنود الرئيسية في الاتفاق تنتظر التنفيذ الذي يتبادل الطرفان الاتهام بعرقلته.

وينص الاتفاق على عودة الحكومة إلى عدن، وتشكيل حكومة جديدة مكونة من 24 وزيرا من الشمال والجنوب خلال شهر من تاريخ التوقيع.

كما يقضي بانسحاب القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة لأحداث أغسطس الماضي، ومعالجة الوضع الأمني والعسكري في محافظة عدن، وتعيين محافظ لها، ومحافظ لمحافظة أبين المجاورة، وهو ما لم يدخل حيز التنفيذ حتى هذه اللحظة.

وكانت المعسكرات الحكومية، خلال الفترة بين 7 و10 أغسطس 2019، قد خضعت للتفكيك والإجلاء من عدن في هزيمة قاسية على يد قوات المجلس الانتقالي الذي يحظى برعاية من دولة الإمارات العربية المتحدة، العضو الثاني في التحالف العسكري الذي شكَّلته السعودية في مارس 2015، بعد أشهر من استيلاء الحوثيين، حلفاء إيران، على العاصمة صنعاء والإنقلاب على الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي.

لكن بحلول 26 و28 أغسطس، أعادت القوات الحكومية صفوفها، وبدأتْ - انطلاقاً من شبوة- هجوماً مضاداً باتجاه أبين وصولاً إلى أطراف عدن، وتوغَّلتْ بالفعل في عدد من أحياء المدينة. وعلى مداخل عدن، تعرَّضتْ هذه القوات لغارات جوية من الطيران الإماراتي أودت بحياة العشرات من الجنود، وهو ما كان يعني حينها إجبار قوات الحكومة على العدول عن اقتحام المدينة التي أصبحت بشكل كامل تحت سيطرة المجلس الإنتقالي الجنوبي، أكبر وكلاء أبو ظبي في اليمن.

وبما أن الاستراتيجية التوفيقية لم تفضِ إلى تلك النتيجة المأمولة من وثيقة الرياض: إئتلاف التيارين تحت مظلة السعودية وترحيل خلافاتهما إلى وقت لاحق بعد انتهاء الحرب على الحوثيين، فما الذي يضمن أن لا تخسر المملكة التيارين معاً إن لم تسارع إلى اختيار من تدعم؟
الرياض، كما يبدو، أرادت المواءمة بين مشاريع واتجاهات سياسية لا يمكن مواءمتها والتوفيق بينها عمليّاً. فالتباين بين هذه المشاريع عميق الغور على مستوى الخطاب والأهداف والمصالح وعلى مستوى العواطف.

لكن، من جانب آخر، فالاختيار أيضاً صعب ومكلِّف:

هل تختار السعودية التيار الانفصالي لإرضاء حليفتها الإمارات، وهي بهذا تخون أهدافها المعلنة في اليمن أولاً، وتضع نهاية لقانونية حربها التي تخوضها منذ أكثر من خمس سنوات باسم الشرعية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ثانياً، وتدفع ببعض القيادات الحكومية المحسوبة على هادي إلى المحور القطري، ثالثاً.

أم تختار السعودية تيار الرئيس هادي والقيادات الحكومية والعسكرية الموالية له ومعهم حزب الإصلاح، وهي بهذا تدفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الضفة المعادية لها، وتوسِّع الشقاق بينها وبين آخر حلفاءها الخليجيين ممثلاً في الإمارات العربية المتحدة؟

وفيما تسير الحرب في عامها السادس، لا تزال التطورات في المشهد اليمني تأخذ العلاقات السعودية الإماراتية في أشد الطرق وعورة. بالنسبة للرياض، ليس هذا هو الوقت المناسب لاكتشاف أن الضرر الذي يلحق بها من الإمارات باسم الصداقة والولاء للأخ الأكبر، لا يقل عن الضرر الذي قد تكون سَبَّبتهُ لها قطر من خلال العداوة الصريحة.

المصدر: المصدر أونلاين