كورونا

الكورونا.. هل تتغير الطقوس الرمضانية لدى اليمنيين؟

تقرير: سمية سعد و عارف الوقادي

يأتي شهر رمضان في ظروف استثنائية، بسبب تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19″، الذي أجبر العالم على العيش في ظروف غير معتادة، نتيجة الإجراءات الوقائية لمنع انتشاره، بعد أن تسبب في وفاة أكثر من 160 ألفاً، وأصاب أكثر من مليوني إنسان.
وسجلت اليمن إصابة حالة واحدة واحدة في مديرية الشحر بمحافظة حضرموت (شرق البلاد)، قبل نحو أسبوعين.
واعتاد الناس في شهر رمضان على التجمع حول موائد الإفطار وتبادل الأطباق بين الجيران، والتجمعات الليلية بين الأهل والأصدقاء. لكن هذا العام سيحرمون من الطقوس التي تميز رمضان عن غيره من الشهور، خشية من انتشار فيروس كورونا.
ويقول فريد القاضي، أحد سكان عدن: “سيكون رمضان مختلفاً عن سابقه من الأعوام, فهذا الشهر يمتاز بطقوسه الاجتماعية والدينية التي تقوم على أساس اللمة والاجتماع مع ذوي القربى والأصدقاء. في رمضان هذا العام، ستكون هناك محاذير كثيرة بسبب وباء كورونا الذي يمنعنا من التجمع، ويحثنا على التباعد الاجتماعي”، مضيفاً أن رمضان سيفقد رونقه بعض الشيء، كما أن التكافل الاجتماعي الذي هو سمة للمجتمع اليمني، لن يكون له تواجد كبير مثل باقي الأعوام، كلٌّ سينكفئ على نفسه ومحيط أسرته.

حرمان من الطقوس الرمضانية

يتعايش اليمنيون في كل رمضان مع طقوسهم المعتادة رغم معاناتهم المتضاعفة عاماً بعد آخر.
فرغم انكفاء بعض ملامح الأجواء الرمضانية عن اليمنيين، بفعل اندلاع الأزمة اليمنية وتبعاتها على المواطنين، إلا أن ارتباطهم بالطقوس الرمضانية أخذهم لإحيائها سنوياً، بقدر تكيفهم مع المعاناة.
وتقول أمة الرزاق جحاف، وكيل هيئة الحفاظ على الآثار والموروث الشعبي في صنعاء، إن لشهر رمضان خصوصيته عند اليمنيين، مثل سائر الدول الإسلامية، مع تميزه بطقوس مختلفة. لكن طقوسه ستختفي هذا العام، إذ لن يكون هناك تجمعات كما جرت العادة في كل رمضان، سواء التجمعات الروحانية لأداء العبادات أو زيارات الناس لبعضهم البعض.
وتضيف أن الناس في العادة يبدؤون بالاحتفاء برمضان من منتصف شعبان، حيث تصدح الإذاعات المحلية بالأناشيد والموشحات الدينية التي ترحب بقدوم الشهر المبارك، وتبدأ النساء في إعداد وتجهيز احتياجاتهن من المواد الغذائية لإعداد وتحضير الوجبات التي اعتادوا على تواجدها في مائدة رمضان.
واندثرت بعض الطقوس مثل مدفع رمضان والأمسية التي يقوم بها الأطفال منذ منتصف شهر رمضان إلى أواخره، حيث يتجمع أطفال كل حارة ثم يذهبون إلى أهالي المنازل في حارتهم، ويقومون بترديد بعض الأهازيج الشعبية مقابل بعض النقود أو الحلويات، وهي أحد أهم الطقوس في صنعاء قديماً، بحسب جحاف.
ويرى المهتمون بالموروث الشعبي في اليمن، أن الأزمة العالمية جراء جائحة كورونا، قد تعيق اليمنيين قليلاً في أداء طقوسهم الرمضانية، لكنها لن تتمكن من إلغائها، لاسيما في المناطق التي لم يعلن فيها عن حالات إصابة بكورونا.
ويرجح المهتمون أن هذا التفاوت في المخاوف داخل الجغرافيا اليمنية، سيتيح لليمنيين في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، مساحة أكبر في أداء الشعائر الرمضانية، بينها التحضير للمائدة اليمنية في رمضان.
ووفقاً للمهتمين بالموروث الشعبي، فإن الروحانيات الرمضانية وملازمة الجوامع لن تجد زخمها السنوي، نظراً للتشديدات بضرورة التباعد الاجتماعي، وتوصيات الاختلاء في البيوت، والذي بدوره لن يعفي الأسر اليمنية من التراحم وتبادل الأطباق الرمضانية وتحضير الموائد للمواطنين والأسر من ذوي الدخل المحدود.
ويبدو رمضان عند السبعينية فاطمة، مختلفاً جذرياً، هذا العام، في عدن، إذ ستحرم من طقوسها الدينية كأداء الصلوات المفروضة والنوافل في المسجد، واعتكاف العشر الأواخر.
وتقول فاطمة إنها جالسة في منزلها منذ أن وجهت وزارة الصحة بضرورة التزام المواطنين بالبقاء في منازلهم.

هموم مزدوجة

مائدة الإفطار اليمنية تأخذ مكانة مهمة بين الطقوس الرمضانية المميزة لهذا الشهر، حيث تتطلب ميزانية معينة، بيد أن الأطباق المزينة لهذه المائدة قد يتقلص حجمها. وتقول منى الحاج: “إعداد سفرة متنوعة الأصناف، كما كان قبل أعوام، سيكلف على الأقل 3000 ريال يومياً، والظروف على قدر الحال، لذا سنكتفي بما يسد جوعنا، بصنفين من الأكل فقط”.

جشع التجار وتهافت الناس على شراء مواد التطهير والمواد الغذائية تحسباً لأية أزمة، أوجدا فرصة أمام التجار لرفع أسعار السلع والمواد الغذائية.


ورغم أن اليمن خالية من فيروس كورونا، باستثناء إصابة واحدة، إلا أن أسواقها شهدت غلاء في الأسعار منذ إعلان الدول العربية عن تسجيلها أولى الإصابات بالفيروس.
جشع التجار وتهافت الناس على شراء مواد التطهير والمواد الغذائية تحسباً لأية أزمة، أوجدا فرصة أمام التجار لرفع أسعار السلع والمواد الغذائية.
وتقول منى: “أصبح جشع التجار عادة يمنية يواظبون عليها بانتظام قبيل رمضان من كل عام، فارتفاع الأسعار يؤثر على المواطن أكثر من كورونا”.
ويشكل ارتفاع الأسعار عبئاً كبيراً على الأسر، وخصوصاً تلك المعتمدة على المغتربين الذين تم تعليق أعمالهم كإجراء وقائي لمنع انتشار الفيروس، فشكل ذلك ضائقة مالية حالت دون إرسال المصاريف الشهرية لأسرهم.
الحاج محسن يقول: “معنا مغترب في السعودية، وهو مصدر الدخل الوحيد للأسرة، وبسبب انتشار فيروس كورونا ألزمتهم السلطات بالحجر المنزلي, فلم يتمكن من إرسال أي مبلغ مالي”.
تأثر المغتربين انعكس على وتيرة التسوق بشكل ملحوظ، وفقاً لبعض التجار في العاصمة صنعاء، مقارنة بالأعوام الماضية، لكن الحركة الشرائية ستظل مستمرة، لتوفير مستلزمات الشهر الفضيل.

استغلال كورونا

تزامن قدوم شهر رمضان المبارك مع انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، الأمر الذي زاد من هلع المواطنين الذين توجهوا إلى الأسواق لشراء احتياجاتهم من المواد الأساسية، خوفاً من زيادة الأسعار التي بدأت بالفعل بالارتفاع مع قدوم شهر رمضان.
ويؤكد نائب مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة مأرب، ياسر الحاشدي، أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يقوم بأي احتكار أو استغلال لحاجة المواطنين من قبل التجار، موضحاً أن فرق الإشراف والمتابعة التابعة للمكتب متواجدة في السوق على الدوام، من أجل متابعة أية مخالفات يقوم بها التجار.
ويشير إلى أن المكتب أصدر تعميمات حذرت ملاك المحلات التجارية من استغلال الوضع الحالي في احتكار المواد الغذائية والمغالاة بالأسعار استغلالاً للمواطن الذي يعيش جحيم الحرب والفيروس.
ويبدي الكثير من المواطنين في محافظة مأرب، استياءهم الكبير من الارتفاع المفاجئ في الأسعار، خصوصاً في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، إذ استغل التجار تدافع المواطنين للشراء، وقاموا برفع الأسعار.
ولوحظ بحسب نزول ميداني لـ”المشاهد” إلى العديد من المحلات التجارية والأسواق في محافظة مأرب، إقبال كبير للمواطنين على شراء المواد الغذائية من تجار الجملة، ومراكز التسوق الكبيرة التي تشهد ازدحاماً متواصلاً منذ أيام، استعداداً لرمضان، وزاد هذا الازدحام مع إعلان أول إصابة بفيروس كورونا في البلاد، في الـ10 من أبريل الجاري.
ويقول سلطان النهمي، أحد سكان مأرب، والعديد من المتسوقين الذين التقى بهم “المشاهد” في أحد المحلات التجارية الكبيرة، إنهم يشترون مواد غذائية لعدة أشهر، من بينها متطلبات شهر رمضان المبارك الذي يطرق الأبواب بالتزامن مع جائحة كورونا.
لكن الحاشدي يهيب بالمواطنين عدم الهلع والتوجه إلى تخزين شراء المواد الغذائية خوفاً من انتشار كورونا، وخوفاً من ارتفاع أسعارها مع قدوم الشهر الكريم، مؤكداً أنه في حال انتشر الفيروس لن تقفل المحلات التجارية، وسوف يكون بإمكان المواطنين شراء احتياجاتهم، مع الأخذ بإجراءات الاحترازات والوقاية، لافتاً إلى أن إجراءات صارمة سوف تتخذ حيال كل التجار المخالفين، والذين يستغلون الوضع وحالة المواطن من أجل رفع الأسعار.

  •