حرب ليبيا

تغيرات متسارعة لمعادلة الحرب بليبيا.. أي دور لتركيا؟

بعد توقيع حكومة الوفاق الليبية اتفاقا أمنيا وعسكريا مع تركيا، تغيّرت معطيات ميدانية على الأرض وفي سماء المعارك غربي ليبيا، إذ مكّن الاتفاق الأمني قوات الوفاق من نصب منظومات دفاع جوي متطورة في كل من طرابلس ومصراتة.

وتشهد محاور القتال بين جيش الوفاق وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تطورا ميدانيا منذ نحو أسبوعين لصالح الوفاق، إذ قامت طائرات مسيرة تركية بدور أساسي في هذا التقدم

وبشكل غير مسبوق، هيمن سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا على سماء المعركة في المنطقة الغربية للبلاد، وذلك منذ إطلاق قوات الوفاق عملية عاصفة السلام يوم 25 مارس/آذار 2020، وبعد أن كانت الغلبة لطيران اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه الدوليين منذ إطلاق الهجوم على طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان 2019.

 

وقد أطلقت قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية -أمس السبت- عملية عسكرية للسيطرة على مدينة ترهونة، المعقل الرئيسي المتبقي لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر غربي ليبيا، وأكدت أنها قتلت وأسرت مسلحين ودمرت آليات واستولت على كميات من الأسلحة والذخائر. وتأتي العملية بعد غارات نفذتها طائرات تابعة لقوات الوفاق على قاعدة الوطية.

 

سماء المعارك
ولم يصدر أي تصريح للحكومة التركية تعليقا على المعارك الدائرة في ليبيا، في حين أكد امرح كيكللي، مسؤول الملف الليبي في مركز سيتا المدعوم من الحكومة التركية، أنه في ظل الاتفاقيات الدولية بين تركيا وليبيا، وفي إطار القانون الدولي وما أقرته الأمم المتحدة، فإن "تركيا تدعم حكومة التوافق في مواجهة قوات حفتر بكل الوسائل المادية والعسكرية والسياسية".

وقال كيكللي للجزيرة نت "الدعم التركي جزء من معادلة ستحدث توازنا إستراتيجيا لدعم الشرعية والمسار السياسي".

ولفت إلى أنه بعد الاتفاق العسكري بين أنقرة وطرابلس، لعب سلاح الجو الليبي دورا مهما وبارزا في المعركة بتكبيد حفتر خسائر كبيرة لدى استهداف خطوط إمداده ومواقع المليشيات ومخازن الذخيرة والقواعد العسكرية.

ورغم استعادة قوات الوفاق المبادرة في سماء المعركة، فإن حلفاء حفتر يواصلون دعمه بالطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي لاستعادة السيطرة على الأجواء، مما سيؤدي إلى تصعيد الصراع، وبالتالي ستواصل الحكومة التركية دعم حكومة الوفاق بحيث تجعلها تستمر في التفوق، حسب تصريح امرح كيكللي.

أما المبعوث التركي إلى ليبيا أمر الله إشلر، فعبّر للجزيرة نت عن فخره وسعادته بما أسماها الانتصارات التي تحققها قوات طرابلس في الغرب الليبي واستعادتها الكثير من المناطق من أيدي قوات اللواء حفتر.

ورفض إشلر الإدلاء بمزيد من التصريحات والمعلومات قبل انتهاء المعارك تماما في الغرب الليبي.

 


قوات الوفاق تستولي على أسلحة من قوات حفتر على مشارف مدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس (الجزيرة)
قوات الوفاق تستولي على أسلحة من قوات حفتر على مشارف مدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس (الجزيرة)

تحديث وتدريب
أما مدير مركز بيان للدراسات الليبية بإسطنبول نزار كريكش، فذكر أن الدور التركي في تحويل سير المعارك لمصلحة قوات الوفاق لا تخطؤه عين المراقب، "فتركيا قامت بما لم تقم به الأمم المتحدة منذ عام 2011 التي عقدت عشرات الاتفاقات لتدريب وتنظيم وضبط القوات المسلحة في ليبيا لكن تلك الاتفاقيات بقيت حبيسة أدراج المكاتب ولم يطبق منها إلا القليل".

وقال كريكش للجزيرة نت "يعود الفضل في تقدّم قوات حكومة الوفاق في المعارك الحالية إلى تركيا التي وجدت في ليبيا قوة بلا تقنية، وعزيمة بلا إستراتيجية واضحة، فحدثت أسلوب العمليات وتولّت تدريب المقاتلين ودعمت الطيران والدفاعات الجوية وضبطت سلوك غرف العمليات".

ولفت إلى أن أنقرة بنت نواة لجيش ليبي حقيقي سيستمر بعد الحرب وفق الاتفاق الذي وُقع معها ووفق قرارات مجلس الأمن والورقة البيضاء لعام 2012 المتعلقة بتكوين جيش ليبي ودمج وإعادة تسريح المسلحين وبناء المؤسسة العسكرية.

وأضاف مدير مركز بيان للدراسات الليبية في إسطنبول أن "حكومة الوفاق وأنقرة لا تنكران وجود ضباط أتراك كبار لتنظيم العمل في ليبيا وتقديم الدعم التقني واللوجستي، وليس لذلك علاقة بمفهوم السيادة، فالعسكريون الأتراك موجودون في الأراضي الليبية بطلب من حكومة الوفاق".

ويرى كريكش أن هناك تحولا كبيرا في المعادلة يصب لصالح تركيا على حساب مصر والإمارات ودول أوروبية، فأنقرة بوصفها قوة صاعدة تختبر الآن نجاحاتها ببناء شراكات مع الشعوب في القرن الأفريقي مع الصومال وفي وسط أفريقيا حيث تنتشر استثماراتها بشكل متسارع، والآن حاضرة بقوة في ليبيا، أكبر دول شمال أفريقيا وبوابة الشمال والجنوب.

وأضاف "سيحدث في المستقبل القريب تحول دراماتيكي في منطقة شمال أفريقيا، فقد أبعدت فرنسا وإيطاليا تركيا بداية القرن من شمال أفريقيا، لكن أفريقيا الآن تتجه نحو الصين وتركيا، وهذا التحول يأتي في سياق أوسع من التغيرات العالمية، أي أن نتائجه مرتبطة بمآلات العالم بعد جائحة كورونا".

المصدر : الجزيرة