قوات سعودية

هل توفر أزمة فيروس كورونا للسعودية مخرجاً من اليمن يحفظ ماء الوجه؟

من جانب واحد، أعلن التحالف الذي تقوده السعودية عن وقف إطلاق النار باليمن لمدة أسبوعين اعتباراً من اليوم الخميس 9 أبريل/نيسان 2020، قابله الحوثيون بالرفض، طارحين سلسلة من الشروط للموافقة عليه.

فما شروط الحوثيين لقبول وقف إطلاق النار باليمن، وما فرص هذه المبادرة لتحقيق السلام في هذا البلد العربي المنكوب.

ويشهد اليمن منذ أكثر من خمس سنوات، حرباً عنيفة أدت إلى خلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، حيث بات 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة.

وتقول الأمم المتحدة إن الصراع اليمني أدى إلى مقتل وجرح 70 ألف شخص، في حين قدَّرت تقارير حقوقية سابقة أن النزاع أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 100 ألف يمني.

هدف وقف إطلاق النار باليمن هو مساعدة مبادرة المبعوث الأممي

وقال مسؤولون سعوديون كبار، الأربعاء، إنَّ وقف إطلاق النار باليمن يهدف إلى إعطاء جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، فرصة للانضمام إلى محادثات ترعاها الأمم المتحدة، للتوصل إلى تسوية للصراع الدائر منذ خمسة أعوام، ولمنع انتشار فيروس كورونا بالبلاد.

وأوضح تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف العربي، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية «واس»، أن إعلان وقف إطلاق النار باليمن يأتي بهدف تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن إلى عقد اجتماع بين الحكومة الشرعية والحوثيين، إضافة إلى فريق عسكري من التحالف، تحت إشراف مارتن غريفيث.

وبيَّن المالكي أن الاجتماع سيخصَّص لبحث مقترحاته بشأن خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل دائم في اليمن، وخطوات بناء الثقة الإنسانية والاقتصادية، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للوصول إلى مشاورات بين الأشقاء اليمنيين، للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن.

واعتبر التحالف العربي، أن الوقت الحالي الذي يمر به العالم فرصة لتضافر الجهود كافة للتوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار في اليمن، والتوافق على خطوات جدية وملموسة ومباشرة للتخفيف من معاناة الشعب اليمني، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة والتحالف سيدعمان هذه الخطوة في سبيل التوصل إلى حل سياسي شامل وعادل، يتفق عليه اليمنيون.

وهذه هي شروط الحوثيين لقبول وقف إطلاق النار

ولكن الحوثيين أعلنوا رفضهم لمبادرة السعودية بإعلان وقف إطلاق النار في اليمن.

وقال محمد عبدالسلام، المتحدث باسم الجماعة، بحسابه على تويتر، إنَّ وقف إطلاق النار لا بد أن ينص على وقف شامل للحرب و”إنهاء الحصار”، وتأسيس لمرحلة انتقالية.

وبدوره، أعلن محمد علي الحوثي رفض جماعته لأي حلول «مجزَّأة»، واعتبر أنَّ مثل ذلك لا بد أن يتم استفتاء الشعب عليه، مشيراً إلى أنهم قدَّموا رؤية متكاملة إلى مارتن غريفيث، تضمن شروطهم للقبول بوقف إطلاق النار.

الحوثيون رفضوا وقف إطلاق النار/رويترز

ونشر صورة لبنود تلك الرؤية، التي قال إنه قدمها للمعبوث الأممي إلى اليمن، والتي تدعو المملكة العربية السعودية إلى الاعتراف والتوقيع عليها، على اعتبار أنها طرف رئيسي في الحرب، ومتجاهلةً للحكومة الشرعية.

وقال العقيد وضاح الدبيش، الناطق الرسمي للقوات المشتركة في الساحل الغربي،  لـ«الحديدة لايف»، إن الحوثيين رفضوا وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين، ما لم يتم الأخذ بالرؤية المقدمة من ميليشيا الحوثي والتي تنص على وقف شامل وفك الحصار البري والجوي.

وفور إعلان التحالف العربي مبادرة وقف إطلاق النار، أعلنت قناة المسيرة استعادة المناطق التي حرَّرتها القبائل اليمنية والقوات الحكومية في جبهة قانية بمحافظة البيضاء.

محادثات سرية منذ سنوات.. وهذه هي نتيجتها

وجرت محاولات متعددة لإجراء محادثات سرية بين السعودية والحوثيين، من أبرز هذه المحاولات، جهود الشقيق الأصغر لولي العهد السعودي، خالد بن سلمان، الذي التقى السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، قبل وفاته، لتمهيد الأرض أمام مباحثاتٍ رفيعة المستوى مع الحوثيين المدعومين من إيران.

ومثَّل هذا اللقاء مع السلطان قابوس، والذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نقطة مهمة في مسيرة امتدت لثلاث سنوات من المباحثات المباشرة المتكتِّمة للغاية والسرية في معظمها، بين المسؤولين السعوديين والحوثيين، ولكنها لم تسفر عن إنهاء الأزمة.

كما سبق أن رفضوا أو تجاهلوا إعلانات متعددة لوقف إطلاق النار.

وخلال معركة الحديدة واصل الحوثيون هذا المنهج، ورفضوا بداية العام الماضي، حضور اجتماع عُقد برعاية أممية.

السعودية تبحث عن مَخرج مشرف، ولكن لماذا لا يقبل الحوثيون بعروضها المتكررة؟

يقول المسؤولون السعوديون، إنهم قرروا إعلان وقف إطلاق النار في اليمن، الأخير هذا؛ مراعاةً للتطورات المؤلمة التي يمر بها العالم، من جراء تفشي فيروس كورونا.

ولكن الواقع أن المملكة واصلت حربها في اليمن منذ نحو خمس سنوات، رغم أنها أدت إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم وفقاً لتوصيف المنظمات الدولية.

كما أن حليفها وحليف حلفائها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا استغل أزمة كورونا  لتجديد هجومه على طرابلس.

ولكن الواقع أن أزمة كورونا تمثل مشكلة بالنسبة للمجهود الحربي السعودي، في وقت فرضت فيه الرياض حظر تجول وإغلاقاً واسع النطاق في الداخل السعودي، واستمرار الجيش السعودي في الحرب ببلد مثل اليمن يعاني من تردي وضعه الصحي، من شأنه تعريض الجنود السعوديين للخطر.

كما أن أزمة كورونا من شأنها إتاحة مَخرج يحفظ ماء الوجه للسعوديين، في ظل رفض الحوثيين المتكرر لعروضهم لوقف إطلاق النار.

 

اليمني يعاني كارثة إنسانية جراء الحرب/رويترز 

فالحوثيون لا يشعرون بأنهم مضطرون إلى التجاوب مع المساعي السعودية، في ظل عدم تحقيق المملكة وحلفائها نتائج عسكرية ذات أهمية على الأرض، كما أن طائرات السعودية المُحلِّقة في سماء اليمن لم تستطيع النيل إلا من أقل القليل منهم، في ظل طبيعة البلاد الوعرة وخبراتهم في حرب العصابات.

أما الخسائر البشرية والوضع الإنساني للشعب اليمني فأمر لا يؤرق الحوثييين كثيراً، لأنهم يعتبرون أنفسهم نخبة هاشمية مختارة، والخسائر البشرية الهائلة ليست سوى أعراض جانبية للمعركة المقدسة التي يخوضونها، لا سيما أن جزءاً كبيراً من المعاناة الإنسانية يقع بين أوساط سُنة اليمن.

ومن ثم يريد الحوثيون مكاسب على طاولة المفاوضات تفوق ما حققوه على أرض المعركة، على الأرجح يريدون اليمن لهم دون شراكة من حكومة شرعية أو قوى أخرى قد يقبلون باتباعها، والأهم يريدون اعترافاً سعودياً بذلك.

قد يكون حلم الحوثيين وضعٌ أشبه بلبنان قبل التخلي السعودي عن بيروت.

هيمنة كاملة لحزب الله وحلفائه، في حين أن رئيس الوزراء السُّني سعد الحريري، مكلف جلب الأموال إلى البلد الخاضع فعلياً للنفوذ الإيراني.

وبالإضافة إلى تمترسهم بجبال اليمن الوعرة، ينقل الحوثيون المعركة كل فترة إلى داخل الأراضي السعودية، لمزيد من الضغط على المملكة، التي يبدو أنها وقعت في الفخ اليمني، الذي سبق أن تجنَّبه الملك  عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية، حينما توغلت قواته في أراضي اليمن وجباله، ولكنه أصر على عودتها إلى السعودية، لأنه يعلم أن اليمن يفتح أبوابه للغزاة ثم لا يلبث أن يغلقها عليهم.