ماذا وراء معارك الحوثي المفاجئة شرق صنعاء؟

شهدت مناطق القتال شرق العاصمة اليمنية، صنعاء، وتحديدا جبهة نهم، حالة من الهدوء النسبي منذ نحو عامين متواصلين، كحال معظم جبهات القتال مع جماعة الحوثي التي تأثرت بالتحركات الأممية الداعية للتهدئة، ووقف المعارك.

ودفع هذا الهدوء قيادة الجيش اليمني إلى التخفيف من حجم القوات في هذه المنطقة الاستراتيجية، لكن هجوما مفاجئا شنه الحوثيون قبل أيام، قلب الأمور رأسا على عقب، وأشعل هذه الجبهة من جديد، ما طرح أسئلة حول أسباب التقدم المفاجئ للحوثي في هذه الجبهة، وكيف تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة في وقت قياسي؟


وتكتسب مديرية "نهم" أهميتها الاستراتيجية من موقعها الذي يبعد عن قلب العاصمة صنعاء حوالي 50 كلم، بالإضافة إلى كونها البوابة الشرقية للعاصمة، فضلا عن ارتباطها بمحافظات تشكل ثقل الحكومة الشرعية في الشمال مثل الجوف، أكبر محافظات الشمال، والتي تشترك بحدود مع السعودية.
كما أنها تمتد جغرافيا إلى محافظة مأرب، الغنية بالنفط، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش اليمني.


تنسيق حوثي سعودي

 
المحلل السياسي اليمني، خالد عقلان، قال، "إن ما يحدث في نهم شرق صنعاء يؤكد أن هناك تنسيقا سعوديا حوثيا في إدارة المعركة ضد الجيش الوطني، وربما تكون زيارة طارق صالح (ابن أخ الرئيس السابق) الأسبوع الماضي للسعودية، ولقائه بالأمير خالد بن سلمان لها علاقة بما يجري في نهم".


وأضاف في هذا السياق قائلا: "لم نلاحظ تحرك قوات طارق صالح في الساحل الغربي لاستعادة الحديدة والضغط على الحوثيين للتخفيف عن الجيش الوطني في نهم والجوف، كما أن سلاح الطيران التابع للتحالف السعودي الاماراتي محيد تماماً في المعركة".

ويقود طارق صالح قوة عسكرية تطلق على نفسها "حراس الجمهورية"، تشترك في القتال ضد الحوثيين في الساحل الغربي بعد خضوعها لدورات تدريبية في معسكر أسسته القوات الإماراتية لها في بئر أحمد غربي مدينة عدن.


ويعدّ طارق من أبرز القيادات العسكرية من عائلة صالح، وكان قائد الحرس الخاص لعمه في وقت تحول من حليف للحوثيين إلى خصم لهم بعد ثلاثة أيام من المعارك الدامية في صنعاء، انتهت بمقتل عمه صالح في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2017، ليفر في أعقاب ذلك إلى عدن الساحلية. وفقا لتقارير إعلامية.


ترسانة قوية


وأشار عقلان في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الحوثيين يتحركون بترسانة عسكرية قوية وعناصر من الحرس الجمهوري السابق من ذوي الخبرة العسكرية الكبيرة وبقيادة موحدة، فيما الجيش الوطني بلا قائد حقيقي أو برؤوس متعددة ومتناقضة، وخاضعة لغرفة عمليات تدير المعركة بهوى وخيال السعودية المشحون بحقد دفين على الجمهورية واليمن الموحد".


وتابع: "كل ذلك يلتقي مع أهداف التحالف السعودي الإماراتي الذي لا يريد أن يكون هناك يمنا موحدا جمهوريًا في جنوب الجزيرة العربية، حيث عمد التحالف المشؤوم على خلق معارك جانبية أرهقت الجيش اليمني، إضافة لحرمانه من منظومة تسليح قادرة على الحسم العسكري وأكثر من ذلك تم حرمان الجيش من الرواتب لمدة طويلة".


وبالمقابل أضاف عقلان: "قامت الإمارات بدعم وتشكيل مليشيات تم من خلالها السيطرة على عدن وما حولها وتمكين ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن كسلطة أمر واقع".


وشدد على أن "هناك تقاربا سعوديا حوثيا على الأرض ضد شرعية هادي التي تدعي السعودية أنها تخوض الحرب في اليمن لاستعادتها". مشيرا إلى أن "هذا التخبط السعودي سيكون له تداعيات  ومخاطر وجودية على السعودية ذاتها، فالسعودية بهذه الحماقة تطلق النار على قدميها وهذه نتيجة طبيعية لما يعانيه صانع القرار السعودي من عمى وإعاقة ذهنية قاتلة". 

تراجع كبير


الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسن التميمي قال، "إن الحوثيين استغلوا بشكل جيد التراجع الكبير لنشاط طيران التحالف خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتحقيق أهداف جيوسياسية مهمة، بغية تقوية موقفهم التفاوضي مع المملكة العربية السعودية دون سواها، بعد جولات من اللقاءات السرية التي جرت بين الطرفين، وشهدت زيارات لقيادات حوثية إلى الرياض، وزيارات مماثلة لموفدين سعوديين إلى صنعاء".

وكتب التميمي لـ"عربي21" قائلا: "المحادثات شهدت تراجعا وربما جمودا، فأراد الحوثيون من خلال هذا الهجوم أن يظهروا مجددا كأقوياء ومتحكمين بسير المعارك وتوقيتها، ومن ثم يستطيعون أن يفرضوا شروطهم في أية مفاوضات مقبلة مع السعودية باعتبارهم دولة تحكم في صنعاء، وليس طرفا سياسيا يحاول أن يحصل على موقع في حكم اليمن".

 

اختراق اتصالات الجيش

 
وقدم التميمي بعدا آخر لتقدم الحوثي نحو نهم حين قال مستندا إلى معلومات "ذات مصداقية" بأن "اختراقا قد وقع لمنظومة الاتصالات التي يستخدمها الجيش هي التي سمحت بتمرير أوامر بالانسحاب المفاجئ، حتى من مواقع بعيدة عن الاشتباك المباشر مع المهاجمين الحوثيين".

وأشار التميمي إلى أن "ثمة من يذهب إلى أن اختراق منظومة الاتصالات ربما يكون عملا مدبرا من أطراف في معسكر الشرعية يعملون تحت مظلة التحالف". مشيرا إلى أن "الهدف المقبول منطقيا هو خلق حالة إرباك مسيطر عليها في جبهة حساسة كجبهة نهم، تجعل القائمين على هذه الجبهة في موقف لا يستطيعون معه مقاومة الترتيبات التي تجري لتمكين قيادات أعدت لتسلم مهام القيادة العسكرية في الجبهة الواقعة شرق العاصمة صنعاء".


ولفت إلى هذه اللحظة لا يتوفر يقين بأن المعارك التي استعادت عافيتها شرق العاصمة صنعاء يمكن أن تعكس إرادة حقيقية لدعم المرحلة الثانية من الحرب وصولا إلى صنعاء، لأنه إن حدث ذلك فيمكن تجاوز كل التعقيدات المرتبطة بمآلات المعركة على المستوى السياسي، فالمخاوف السعودية من سيطرة محتملة لقوى ثورة التغيير والذين لا تراهم سوى "إخوان مسلمين"، ينذر بمآلات سيئة للغاية تتهدد مستقبل اليمن واليمنيين. حسب قوله.

المصدر: عربي21