الانتقالي الجنوبي

لماذا عادت الاغتيالات إلى عدن، وما مصير اتفاق الرياض.. إحصائية بالفيديو والصور!

عاد مسلسل الاغتيالات مجددا إلى الواجهة في العاصمة المؤقتة عدن، التي آلت كليا- بعد أحداث أغسطس الماضي- إلى سيطرة ما تسمى "قوات الحزام الأمني"، وميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعومين اماراتيا..
 
وشهدت محافظة عدن، لاسيما خلال السنوات الأربع التي أعقبت تحريرها من ميليشيات الحوثي، عمليات اغتيالات عديدة طالت العشرات من رجال الدين والمشايخ والخطباء وشخصيات قيادية واجتماعية وتربوية سلفية وأخرى تابعة لحزب الإصلاح بالمحافظة.
 
إلا أن اللافت هذه المرة، أن الأغتيالات عادت لتستهدف شخصيات أمنية وقيادات عسكرية رفيعة موالية للحكومة الشرعية، في ظل تولي المملكة السعودية إدارة الملف العسكري والأمني في المدينة، بموجب "إتفاق الرياض".
 
وفي آخر عشرة أيام فقط، شهدت عدن عشر عمليات أغتيال، بينها أربع محاولات فاشلة، طالت جميعها ضباطا وجنودا، تقول المعلومات أنهم محسوبون على الحكومة الشرعية، أو ممن يكتنزون معلومات خطيرة بشأن عمليات الأغتيال السابقة.
 

"أتفاق الرياض".. خلفية وتساؤلات



 وتم توقيع "اتفاق الرياض" في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في العاصمة السعودية بين الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، على إثر المواجهات التي نشبت بينهما في أغسطس الماضي، وانتهت إلى سيطرة ميليشيات الإنتقالي على كامل محافظة عدن ومحيطها.
 
وأحتوى "إتفاق الرياض" على ثلاثة ملاحق رئيسية، تشمل: الترتيبات السياسية والاقتصادية؛ والترتيبات العسكرية؛ والترتيبات الأمنية.
 
وتثير عودة الاغتيالات إلى عدن، في مثل هذا التوقيت، بعد توقيع "إتفاق الرياض"، العديد من التساؤلات!! خصوصا وأنها تزايدت أكثر بالتزامن مع عودة رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك وعدد من الوزراء إلى العاصمة المؤقتة عدن، بموجب إتفاق الرياض.
 
ويرى مراقبون أن ذلك يمثل أحد أهم مؤشرات فشل تنفيذ الاتفاق، الذي يستهدف- ضمن ترتيباته الرئيسة- ضبط الأمن في كافة المحافظات الجنوبية، وخصوصا العاصمة المؤقتة عدن.
 
فيما يرى مراقبون أخرون أن انتشار الفوضى الأمنية بهذا الشكل المتزايد والمثير، يستهدف إفشال تنفيذ الإتفاق، ووضع العوائق والعراقيل أمام تنفيذ أهم أجزاؤه العسكرية والأمنية التي لم تنفذ بعد.
 

إحصائيات.. بين النجاح والفشل



ومنذ عودة رئيس الحكومة إلى عدن في 18 نوفمبر الماضي، شهدت المدينة عشرات من حوادث القتل والاغتيالات فضلاً عن عمليات النهب والحوادث الجنائية الأخرى.
 
وخلال آخر عشرة أيام فقط (منذ 29 نوفمبر الماضي – 7 ديسمبر الجاري) شهدت عدن نحو عشر عمليات/ ومحاولات/ اغتيال، أدت إلى مقتل أربعة ضباط وجنديين أثنين، فيما نجا منها وأصيب أربعة آخرون.
 
ورصد "يمن شباب نت" اسماء ضحايا تلك العمليات العشر، الناجحة والفاشلة، وأماكن حدوثها، والتي نوجزها وفقا لتسلسلها الزمني في الجدول المرفق أدناه:
 

 

دلالة التوقيت

لا يعد مسلسل الاغتيالات وليد اللحظة في عدن، التي شهدت خلال السنوات الأربع الأولى من الحرب، سلسلة اغتيالات استهدفت معارضي الانتقالي الجنوبي؛ وشملت- في معظمها: مشايخ دين وعلماء وخطباء وأئمة مساجد، إلى جانب عدد من السياسيين والعسكريين والناشطين.
 
وبموجب تقارير، بينها تقارير أممية، أشارت إلى أن جنوب اليمن شهد، بين عامي 2015 و 2019، ما يزيد عن 100 عملية اغتيال. بينما قالت وكالة الأناضول إن العدد يتجاوز 250 عملية منذ العام 2015، بحسب إحصائيات أمنية وحقوقية.
 
ويقول المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن عودة الاغتيالات الى مدينة عدن في هذا التوقيت بأنه مرتبط بما أطلق عليها "عوارض الانسحاب الاماراتي" من المدينة.
 
وأوضح التميمي لـ" يمن شباب نت": "بعد تسريب الوثائق لقناة الجزيرة، هناك اسماء وردت في الفيلم، وهناك تحقيقات بالكامل سربت وأصبحت في متناول أطراف أخرى.. لهذا سارعت أطراف الأمارات إلى تصفية الشهود والأشخاص الذين كان لهم علاقة مباشرة بإدارة الأمن في عدن والبحث الجنائي، خصوصا تلك التي على دراية بمن تورط بهذه الجرائم خلال الفترة الماضية".
 
وكان التميمي، يشير في حديثه إلى الفيلم الاستقصائي الذي بثته قناة الجزيرة في 25 نوفمبر الماضي، بعنوان "أحزمة الموت"، والذي ركز على ملفي: الاغتيالات، والسجون السرية، في عدن، على ضوء ما حصلت عليه القناة من محاضر تحقيقات مع متهمين بتنفيذ عمليات اغتيال بإيعاز إماراتي.
 
وبحسب التحقيق الاستقصائي، فأن المحاضر المسربة تقع في 87 صفحة، وتشمل إفادات لأربعة متهمين بالمشاركة في الاغتيالات، واعترافات مفصلة باغتيالهم عدداً من أئمة المساجد بعدن. ونصت محاضر التحقيق على أن المسؤول الأول عن عصابة الاغتيالات في عدن كان يعمل مع الإماراتيين، وتحديدا مع ضابط إماراتي لقبه "أبو خليفة".
 
كما توثق المحاضر إفادات المتهمين بأسماء الشخصيات المتورطة وأدوار المنفذين. بالإضافة إلى الجهات التي تمولها وتوجهها، وعلى رأسها قوات الحزام الأمني والاستخبارات الإماراتية.
 
لكن أخطر ما ورد في محاضر التحقيق، أن عناصر من تنظيم القاعدة نفذت عمليات اغتيال بتوجيه من ضباط إماراتيين.
 
وعليه، يتهم المحلل السياسي، التميمي، دولة الإمارات ووكلائها في جنوب اليمن بالوقوف وراء عمليات الاغتيالات الأخيرة التي عادت إلى الواجهة مؤخرا بهدف "تصفية كل شخصية، أو كل من له دور، أو وظيفة، من شأنها أن تؤثر في تحقيقات نزيهة، إذا جرت في المستقبل، حول جرائم الاغتيالات في عدن".

الفيلم الاستقصائي "أحزمة الموت" لقناة الجزيرة

 


التأثيرات.. اتفاق الرياض على المحك

ولا يذهب الباحث اليمني عدنان هاشم، بعيدا عن محيط دائرة الإشتباه السابقة نفسها، في حديثه مع "يمن شباب نت" عن الاغتيالات التي تشهدها عدن حاليا.
 
فتلك الاغتيالات- بحسب هاشم- نجد أنها "تستهدف إما مدراء أمن أو ضباط في البحث الجنائي كان لهم ارتباطا بالاعتقالات، ومتابعة اعتقال الأفراد اليمنين، ومعظمهم كانوا في سجون الإمارات".
 
وبشأن تأثيرها على اتفاق الرياض، يؤكد بالقول إنه "وبقدر ما تظهر الاغتيالات أنها قطاع منفصل عن التطورات العسكرية؛ إلا أنها تؤثر بشكل عميق في اتفاق الرياض، الذي لم يحقق أياً من بنوده الأساسية المتعلقة بالتشكيلات العسكرية التي تدعمها وتمولها الإمارات".
 
وبذكر "أتفاق الرياض"، الذي بدى أثناء التوقيع عليه وكأنه الإنجاز التمهيدي الأهم الذي يعول عليه السعوديون واليمنيون، على حد سواء، في ترتيب البيت اليمني الداخلي لمواجهة وأجتثاث ميليشيات الحوثي الانقلابية، نجد أن عملية تنفيذه على الأرض لم تسر- حتى الأن- على الوجه المرسوم له في الاتفاق.
 
فإلى جانب تجدد عمليات الأغتيال في محافظات عدن وشبوة، على ذلك النحو المتسارع والمثير للتساؤلات، هناك أيضا فوضى أخرى تعيق وتعقد تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق. وكان آخرها، حتى الأن، على سبيل المثال لا الحصر، ما حدث الخميس الفائت (5 ديسمبر) من اعتراض مجاميع مسلحة تابعة للانتقالي الجنوبي، طريق قوات من اللواء الأول حماية رئاسية بمديرية أحور التابعة لمحافظة أبين جنوبي البلاد.
 
وبحسب مصادر محلية، فأن تلك المجاميع حاولت منع قوات الحماية الرئاسية من العبور باتجاه مديرية شقرة الساحلية (أبين)، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين الطرفين على إثرها قُتل قيادي موالي للانتقالي الجنوبي.
 
ومن وجهة نظره يعتبر المحلل السياسي التميمي، أن الفوضى التي تشهدها عدن ومحيطها نابعة عن "الرغبة، ربما، بهدف افشال أي توجه حقيقي نحو تنفيذ اتفاق الرياض".
 
وعليه، أشار إلى أن اعتراض الانتقالي الجنوبي لقوات الحراسة الرئاسية التي قدمت من شبوة والاشتباك معها "محاولة صريحة وواضحة لتعطيل اتفاق الرياض". متهما الانتقالي الجنوبي بعدم الالتزام "تجاه عملية السلام أو اتفاق الرياض على الأقل".
 
ويرى التميمي أن الانتقالي يسعى "للاكتفاء بمكاسب بعينها، مثل: تثبيت المجلس كشريك وطرف في تقرير مصير البلاد".
 
وفي نهاية المطاف، يرجع التميمي السبب الرئيسي في كل تلك الفوضى إلى دولة الإمارات، من خلال تجديده التأكيد على أن "اللاعب الأساسي الذي يمول ويدير الفوضى في عدن ومحافظات الجنوب هي: الإمارات والاطراف المرتبطة بها".


 

عمليات استباقية

من جانب آخر يصف المحلل السياسي والأكاديمي، الدكتور نبيل الشرجبي، ما يحدث في عدن وبقية المحافظات الجنوبية بأنها "عمليات استباقية لتحسين وضع بعض الأطراف في الحل القادم".
 
ووفق الشرجبي، الذي تحدث لـ"يمن شباب نت"، فإن الانتقالي يسير باتجاهين: "الأول زيادة موجة العنف لإثبات فشل الشرعية، وتكون عندها أكثر ثقة في التأثير على مخرجات الحل النهائي".
 
ويضيف: أما الاتجاه الثاني لسير الانتقالي، فيتمثل "برفع سقف المطالب الانفصالية أكثر، حتى لا تفقد تأييد العناصر الجنوبية لها، وكأنها تطرح نفسها مجدد ممثل شرعي وحيد للجنوبيين".
 
ويستدرك بالقول: "وليس بالضرورة أن يكون لدى المجلس الانتقالي شعبية كبيرة بين الجنوبيين؛ لكنه يعرف أن المشاركة القادمة ستكون سياسية، وهو لدية الحاضن الاماراتي الذي يوفر له الحاضنة والغطاء السياسي".
 

من يسيطر على عدن؟



وبالنظر إلى واقع عدن ومن يمسك بزمام الأمور، فإن قوات كل من الحزام الأمني والانتقالي الجنوبي المدعومين إماراتيا، هي من تفرض سيطرتها، منذ العاشر من أغسطس الماضي، على كافة أرجاء المدينة التي تتخذها الحكومة الشرعية، المعترف بها دولياً، كعاصمة مؤقتة للبلاد منذ إنقلاب ميليشيات الحوثي على السلطة وسيطرتها على العاصمة اليمنية (صنعاء) مطلع 2015.
 
وتؤكد كافة المصادر المحلية التي تواصل معها "يمن شباب نت"، على أن قوات الحزام الأمني والمجلس الانتقالي الجنوبي هي التي تتولى حاليا الانتشار الأمني والعسكري في المدينة، مع انتشار محدود للقوات السعودية، التي وصلت معظمها عدن عقب توقيع اتفاق الرياض للمساعدة في تثبيت الأمن والإشراف على تنفيذ الاتفاق.
 
وفي وقت سابق، في 16 أكتوبر الماضي، أعلنت قيادة التحالف العربي عن إعادة تموضع القوات السعودية في عدن، بدلا عن القوات الإماراتية التي تتهمها الحكومة الشرعية بالتخطيط والمساعدة والأشتراك في تنفيذ انقلاب عدن.
 
وآنذاك أوضح التحالف في بيان له أن تلك الخطوة تأتي "في إطار تنسيق خطط العمليات العسكرية والأمنية في اليمن وتعزيز الجهود الإنسانية والإغاثية، وتعزيز الجهود لتأمين الممرات المائية المتاخمة للسواحل اليمنية، ومكافحة الإرهاب على كامل الأراضي اليمنية".
 
وبحسب مصادرنا في عدن، فإن القوات السعودية تتواجد حاليا في عدد من المواقع الهامة والاستراتيجية، مثل: "مقر التحالف بمديرية البريقة، وميناء الزيت، ومطار عدن، ومنطقة معاشيق حيث يتواجد القصر الرئاسي".