أرامكو

ورقة النفوذ الذهبية للسعودية ووزنها الجيوسياسي.. كيف أصبحت أرامكو أكبر شركة في العالم؟

ترجمة: عربي بوست

دائماً ما كان قطاع النفط قائماً على الأرقام. فما كمية البنزين المتوفر في محطات الوقود؟ وما سعر برميل خام غرب تكساس؟ وما مساحة هذا الحقل النفطي وكم برميلاً يمكنه إنتاجه؟ والأهم من ذلك، متى سينفد النفط؟

وفي الشهر المقبل ديسمبر/كانون الأول، ستُعلن شركة أرامكو التي تحتكر حصةً كبيرة من النفط في المملكة العربية السعودية أرقاماً ستُعيد تعريف كلمة «كبيرة» في عالم الأعمال.

ما قيمة أرامكو الحقيقية؟

تعتقد المملكة أنَّ قيمة أرامكو، التي توشك أن تطرح أسهمها للبيع في طرحٍ عام أوَّلي طال انتظاره، تصل إلى 1.7 تريليون دولار أمريكي، ما يجعلها الشركة الأعلى قيمة في العالم بفارقٍ كبير عن شركتي آبل وجوجل العملاقتين. جديرٌ بالذكر أنَّ مبلغ 1.7 تريليون دولار يعادل إجمالي الناتج المحلي لدول أستراليا ونيوزيلندا وفنلندا مجتمعة، كما يقول موقع nine.com.auالأسترالي.

حققت أرامكو أرباحاً صافية مذهلة في العام الماضي 2018 بلغت 111 مليار دولار، متجاوزة الأرباح المجمعة لشركاتٍ عملاقة مثل آبل وإكسون موبيل ورويال داتش شِل. 

وفي بيانٍ صدر الأحد 17 نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرت أرامكو أنَّها تهدف إلى بيع نحو 1.5% من أسهمها البالغة 200 مليار سهم في عملية خصخصة جزئية مقابل قيمةٍ تتراوح  بين 30 ريالاً سعودياً (8 دولارات) و32 ريالاً (8.53 دولار) للسهم الواحد.

منظر لحقل الشيبة النفطي في الربع الخالي ، المملكة العربية السعودية/ AP
منظر لحقل الشيبة النفطي في الربع الخالي ، المملكة العربية السعودية/ AP

وهذا يعني أنَّ قيمة أرامكو، التي تعد الشركة الأكثر جنياً للأرباح في العالم، قد تتراوح بين 6 تريليونات ريال (1.6 تريليون دولار) و6.4 تريليون ريال (1.7 تريليون دولار).

إذا باعت أرامكو سهمها بالسعر الأعلى، فستسفر عملية بيع الأسهم عن جني ما يزيد قليلاً على 25 مليار دولار، مما سيجعلها أكبر بقليل من أول طرحٍ لمجموعة علي بابا في بورصة نيويورك للأوراق المالية -الذي يعد أكبر طرحٍ عام أوَّلي في العالم حتى الآن- في عام 2014. 

وقد ورد أنَّ الأمير السعودي محمد بن سلمان يسعى إلى تقييم الشركة بحوالي تريليوني دولار.

لكنَّ أسعار النفط المنخفضة وأزمة المناخ والمخاطر الجيوسياسية أثارت الشكوك بين المستثمرين الدوليين. ومن المقرر أن تُباع حوالي 0.5% من الشركة لأفراد، مع عرض الجزء المتبقي على مستثمرين مؤسسيين. 

وتجدر الإشارة إلى أنَّ المملكة العربية السعودية تطرح أسهم أرامكو للبيع للمرة الأولى في إطار خطة التنويع الاقتصادي التي تهدف إلى وقف اعتماد المملكة على النفط.

هل سيكون الاكتتاب ناجحاً؟

وصف جون ستيبك، رئيس تحرير مجلة MoneyWeek ومؤلف كتاب The Skeptical Investor، الطرح العام الأولي لأرامكو بأنَّ السعوديين يبيعون «إوزتهم الذهبية».

وقال لموقع nine.com.au الأسترالي: «لنكن صرحاء، سيكون ذلك طرحاً عاماً أوَّلياً ضخماً بدون شك». وأضاف: «لقد قامت السعودية على النفط.. لكنني أعتقد أن ولي العهد محق في رغبته في التنويع».

وذكر ستيبك أنَّ الاعتماد على شركات النفط يتراجع تدريجياً. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، خرجت شركة إكسون موبيل، التي تعد أكبر شركة نفط مدرجة في العالم من قائمة أكبر عشر شركات في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لأول مرة منذ إطلاق المؤشر قبل 90 عاماً.

وقال ستيبك: «السعودية تريد تنويع مواردها الاقتصادية بعيداً عن النفط. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنَّ أمريكا أصبحت الآن مُنتِجاً كبيراً للنفط، وكذلك لأنَّ المملكة ترى المشكلات التي قد تنشأ على المدى البعيد». 

يُذكَر أنَّ أرامكو لديها احتياطيات نفطية هائلة وإنتاج يومي ضخم. ففي عام 2017، كانت أرامكو لديها 260 مليار برميل من الاحتياطيات، أي أكبر من الاحتياطيات المجمعة للشركات الخمس الكبرى: إكسون موبيل، وشيفرون، ورويال داتش شل، وبريتيش بتروليوم، وتوتال.

غير أنَّ الوقود الأحفوري سيكون بمثابة أصولٍ جانحة على المدى البعيد جداً، وفقاً لما ذكره ستيبك. وأضاف أنَّ وقف اعتماد المملكة الاقتصادي على النفط سيقلل من خطر اندلاع انتفاضةٍ ضد العائلة المالكة السعودية.

إذ قال: «إذا انهارت أسعار النفط أو سحبت الولايات المتحدة جميع أعمالها، فسيكون لدى السعوديين حينئذٍ ملاذٌ يلجأون إليه».

كيف أصبحت أرامكو «ورقة نفوذ مهمة»؟

يقول الموقع الأسترالي، إن شركة أرامكو كانت أمريكية في الماضي. فقبل الحرب العالمية الثانية مباشرة، اكتشف بعض المستكشفين من شركة ستاندرد أويل التابعة لعائلة روكفلر نفطاً في المملكة العربية السعودية.

وقال مصدرٌ على درايةٍ بتاريخ أرامكو طلب عدم الكشف عن هويته: «على مرِّ فترة طويلة، كان السعوديون يجنون بعض المال. فيما كان الأمريكيون يحصلون على معظم المال».

وأضاف أنَّ السعوديين كانوا يكسبون خمسة سنتات من كل دولارٍ من الأرباح.  وبحلول عام 1980، بعد شراء جزء كبير من معدات الشركة التي كانت الولايات المتحدة تديرها، أصبحت الحكومة السعودية تملك 100% من الشركة، وبعد ذلك بثماني سنوات، أعيدت تسميتها باسم أرامكو.

لكنَّ انتقال الشركة إلى السيطرة السعودية تزامن مع انهيار سوق النفط. ففي أبريل/نيسان من عام 1980، وصل سعر النفط إلى 125 دولاراً للبرميل. ولكن بعد ذلك بست سنوات، انهار إلى 24 دولاراً للبرميل.

وعلى العكس من ذلك، فبين عامي 1998 و2008، ارتفع سعر النفط باطِّراد من 18 دولاراً إلى 164 دولاراً للبرميل، مما أدى إلى ضخ البترودولارات في خزائن الحكومة السعودية.

الأمير السعودي محمد بن سلمان يسعى إلى تقييم الشركة بحوالي تريليوني دولار/ AP
الأمير السعودي محمد بن سلمان يسعى إلى تقييم الشركة بحوالي تريليوني دولار/ AP

الوزن الجيوسياسي للسعودية 

وتسببت احتياطيات أرامكو النفطية الهائلة في تمتُّع السعودية بمكانةٍ متميزة في أي طاولة مفاوضات جيوسياسية. إذ قال المصدر نفسه: «لا يمكنك فصل النفط عن السياسة». 

وأضاف: «لقد لعب السعوديون تلك اللعبة بطريقةٍ مثالية، وأنا أقصد بذلك معنىً إيجابياً. فالسعوديون كانوا يعرفون دائماً أن كل من يجلس معهم حول طاولة المفاوضات كان يُفكِّر في النفط. لقد فهموا ذلك، واستخدموا النفط لمصلحتهم».

وفي ظل امتلاكها 76 ألف موظف، تدير أرامكو عملياتٍ في مجال الطاقة، وتمتلك منشآتٍ بحثية ومكاتب منتشرة في جميع أنحاء العالم.

وقال المصدر للموقع الأسترالي إن السعوديين يعتقدون أن أرامكو هي «هارفارد كل شيء.. فهي لديها أفضل المهندسين، وأفضل القادة، وأفضل مجموعةٍ من كل شيء». 

السيناريو الكابوسي 

ولا شكَّ أنَّ أفضل سيناريو لأرامكو وطرحها العام الأولي هو الإقبال الشديد على شراء الأسهم بدرجة تفوق الأسهم المعروضة والبالغة 1.5% من الشركة، مع ارتفاع سعر الأسهم على مرِّ الأشهر التالية، حالما يبدأ التداول في ديسمبر/كانون الأول. وذلك قد يشجع أرامكو على طرح كميةٍ أكبر من أسهم الشركة، ولكن في بورصةٍ أجنبية.

وسَبق وأن درست السعودية طرح أسهم الشركة في بورصات نيويورك ولندن وهونغ كونغ، لكنَّها اختارت بدلاً من ذلك الخيار الأكثر أماناً المتمثل في البورصة السعودية.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإمارات العربية المتحدة والكويت ستراقبان تطورات الطرح العام الأولي عن كثب. وإذا نجح، فقد تعرض الدولتان المجاورتان للسعودية في الخليج العربي أسهم شركاتهما النفطية الوطنية للبيع كذلك.

ولكن ماذا لو فشل؟ 

قال المصدر إنَّ «السيناريو الكابوسي هو انخفاض سعر السهم لفترةٍ غير محدودة». وأضاف أنَّ طرح أسهم أرامكو للبيع قد يُسفر عن تأثيرٍ مشابه لتأثير وول مارت على البورصة السعودية. إذ تعهَّدت أرامكو بدفع أرباح سنوية بقيمة 75 مليار دولار على المساهمين حتى عام 2024.

وأردف: «هناك خوفٌ شديد من أن تتعرض بعض الشركات في بورصات السعودية ودبي والكويت وقطر لضررٍ قوي.. فإذا اقتنع المساهمون بأنَّ أرامكو ستمنحهم عائداً مضموناً منخفض المخاطر، فقد يتخلصون من أسهمهم في الشركات الخاسرة أو المتعثرة، مما قد يؤدي إلى انهيار قيمة أسهمها».

جديرٌ بالذكر أنَّ سعر أسهم أرامكو سيتحدَّد في 5 ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن يبدأ التداول في البورصة السعودية في وقتٍ لاحق من الشهر نفسه.