البرجر

من أحمر الشفاه إلى شطائر البرغر.. كيف أصبحت حياتنا معتمدة على المواد الكيميائية؟

ترجمة: عربي بوست

أحياناً يسأل بعضنا عن سبب وجود مكونات مسببة للسرطانات في مستحضرات التجميل، أو وجود سموم عصبية في مراتب النوم، ولماذا توجد مواد مسببة لاضطرابات الهرمونات وعقاقير طبية في مياه الشرب.

يقول ماكاي جنكنز، وهو صحفي ألَّف عدداً من الكتب عن تأثير الكيماويات على البشر والعالم الطبيعي: إجابتي دائماً عن هذا السؤال تكون برسم خريطة للبلاد بشبكتها الواسعة من الطرق السريعة، التي تمتد لمسافة 48 ألف ميل بين الولايات، والتي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

ويتابع جنكيز «أنَّ هذه الطرق صُممت في البداية بغرض الدفاع عن الغزو الأجنبي، لكنَّ العواقب غير المقصودة تضمَّنت مجموعة من المشكلات البيئية والصحية الكبرى، التي لم نبدأ في فهمها إلا مؤخراً، مثل التغيرات المناخية وانقراض بعض أنواع الفصائل، وحتى السرطان».

شكَّل هذا التحول دماراً اقتصادياً هائلاً للمدن القديمة

ويضيف الصحفي، علينا أن نتبع هذا المنطق في التفكير: قبل الحرب كانت الأغلبية الأكبر من الأمريكيين تعيش في المدن، أو في المزارع، وفجأةً مع ظهور كل تلك الطرق الجديدة اكتشف ملايين الجنود العائدين من الحرب أنَّ أمامهم خياراً ثالثاً؛ حيث يمكنهم نقل عائلاتهم إلى مجتمعاتٍ جديدة داخل البلاد. وبدأ المطورون في تحويل المزارع والغابات بشكلٍ محموم إلى أقسام صغيرة وفرعية، وبدأ عصر التوسع في الضواحي.

تضمَّنت نتائج هذا التحويل الهائل للأراضي دماراً اقتصادياً لمدننا القديمة، والقضاء الفعلي على إنتاج الطعام محلياً، وتحويل الغابات والمزارع إلى أقسام فرعية ومراكز تسوق دائمة التوسع. 

ونتج عن ذلك أن فقدت مدن مئات الآلاف من سكانها، ومع تحول تجمعات سكانية محددة إلى أمة من مستهلكي الضواحي استجابت الصناعة، ولاسيما صناعة الكيماويات، بصناعة منتجات تلبي احتياجاتنا.

هذا الأمر أدَّى في النهاية إلى إمكانية استخدام مواد البتروكيماويات في صناعة كل شيء تقريباً، من أحمر الشفاه وزجاجات المياه إلى الأطعمة المصنَّعة وشرائح الهامبرغر الرخيصة، المصنوعة من اللحم البقري المربَّى على نظم تغذية مركزة تعتمد على الذرة، المزروعة باستخدام الأسمدة الصناعية ومبيدات الحشائش الضارة.

أصبحت منازلنا مُشبَّعة بالمواد الكيميائية وتؤثر علينا

داخل منازلنا أصبحنا مشبّعين بالمواد الكيميائية المستخدمة في صناعة أواني الطهي المقاومة للالتصاق، ومنامات الأطفال المقاومة للحرائق، ومستحضرات التجميل، والمواد الكيميائية للتنظيف الجاف للملابس، والمواد الكيميائية الفلورية (PFAS) في بعض أنواع أكياس فيشار الميكروويف. 

وخلال السنوات الأخيرة، أجرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والمجموعات الصحية في عددٍ من الولايات بأمريكا اختباراتٍ على الأشخاص، للكشف عن وجود مواد كيميائية سامة في أجسادهم.

وكشفت تلك الدراسات عن أنَّنا جميعاً ملوثون بالمواد الكيميائية المسببة للسرطانات، واضطرابات الغدد الصماء، ولدينا مشكلات عصبية وتناسلية.

المشكلة هي أنَّه من بين آلاف المواد الكيميائية الصناعية شائعة الاستخدام تجارياً، لم تُجرَ اختبارات كافية إلا على 200 منها للكشف عن تأثيرها على صحة الإنسان. 

نتائج سلبية بدأت تظهر لتأثير المواد الكيميائية على صحة الإنسان

ويقول خبراء التطوير المعرفي إنَّ معدل صعوبات التعلم ارتفعت بنسبة 191% بين عاميّ 1977 و1994.

وتقول إدارة كاليفورنيا للخدمات التنموية إنَّها رأت ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 210% في معدلات الإصابة بالتوحد، في العقد التالي لفترة منتصف تسعينيات القرن الماضي.

وهناك 24 مليون أمريكي مصابون بأمراض مناعة ذاتية، وتشير الأبحاث إلى تضاعف هذا الرقم مرتين أو ثلاثة حول العالم.

وذكرت جامعة كنتاكي أنَّ هناك رابطاً بين مادة ثلاثي كلورو الإيثيلين، المذيب الصناعي المعروف بـ «TCE»، ومرض الشلل الرعاش. ويمكن أن نجد تلك المادة في أكثر من ثلث الممرات المائية في البلاد.

هناك أيضاً مشكلة النفايات التي ينتجها الإنسان ستعود بالضرر عليه

إذ يتخلص المواطن الأمريكي العادي طوال حياته من حوالي 15 طناً من العبوات، معظمها من البلاستيك، وسينتهي المطاف بالكثير منها إلى السلسلة الغذائية، لتجد طريقها إلى أجساد البشر والحيوانات البحرية على حد سواء.

نفايات بلاستيكية / Istock
نفايات بلاستيكية / Istock

اكتُشف مثلاً 881 زجاجة بلاستيكية داخل معدة الحوت، الذي انجرف مؤخراً إلى شواطئ الفلبين، قبل أن يموت بسبب الجفاف والجوع.

وخارج المنزل، أصبح الطعام معتمداً كذلك على المواد الكيميائية، فعلى الصعيد الوطني في أمريكا مثلاً أدى التوسع العمراني للضواحي إلى خسارة 4 ملايين مزرعة عائلية، وتحول الإنتاج الغذائي الأمريكي إلى المزارع الصناعية أحادية النوع في الغرب الأوسط.

ولدى الولايات المتحدة الآن حوالي 300 مليون فدان من منتجات الذرة والقمح وفول الصويا الصناعية، معظمها معدلة وراثياً، وتعتمد على شلالات من الأسمدة الصناعية ومبيدات الحشرات والحشائش الضارة. 

تأثير المبيدات الزراعية على النباتات والكائنات الحية الأخرى

وتتسبب المبيدات الزراعية في تدمير النباتات المحلية الأصلية (مثل نبات الصقلاب) لدرجة تُعرِّض كائناتٍ مثل الفراشات الملكية وحوالي 40% من المُلقحات لخطر الانقراض. 

وقدَّر ديفيد بيمنتل من جامعة كورنيل أنَّ هناك 72 مليون طائر يموت كل عام نتيجة التعرض للمبيدات الحشرية، ولا يشمل ذلك عدد الطيور التي تموت بسبب موت الوالدين بالمبيدات الحشرية، أو الطيور التي تموت نتيجة تناول حشرات أو ديدان ملوثة، ليقترب بذلك العدد الفعلي من 150 مليوناً.

وبين البشر، بدأت الصورة تصبح سوداويةً بالفعل، فبين عامي 1996 و2011، تزايد استخدام المبيد الزراعي غليفوسايت، الذي تُسوِّق له شركة Monsanto باسم «Roundup»، بمقدار 527 مليون رطل.

ووصفت منظمة الصحة العالمية مبيد «Roundup»، مبيد الحشائش الضارة الأكثر انتشاراً في العالم، بأنَّه «مادة ربما تسبب السرطان للبشر».