جاريد كوشنر- صهر ترامب

لا نريد أموالَكم لكن أبعِدوا يد إسرائيل عن رقبتنا.. واشنطن بوست: "صفقة القرن" قُدر لها الفشل فعلاً

تأتي ورشة العمل الاقتصادية التي أعلنت إدارة ترامب عقدها بالبحرين في يونيو/حزيران المقبل، ترجمة لقناعة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاري البيت الأبيض، بأنَّ العمل على تحسين سبل المعيشة للفلسطينيين وتنمية الشركات الفلسطينية ينبغي أن تكون له الأولوية على حساب الحلول السياسية.

إلا أنَّ الانطباع الراسخ بين الفلسطينيين، بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكيه، أنَّ ترامب ومساعديه ليسوا وسطاء نزيهين. وبدلاً من هذا، يرون سلسلةً من التحركات المُستنزِفة للقوى التي تتبعها الإدارة، بدءاً من الاعتراف الأحادي بالقدس عاصمةً لإسرائيل، مروراً بخفض المساعدات المرسلة إلى الفلسطينيين، ووصولاً إلى إغلاق المكاتب الدبلوماسية التي تقدم خدماتٍ إلى الفلسطينيين، ضمن حملةٍ للتأكيد على سيادة إسرائيل وتقويض التطلعات السياسية للفلسطينيين.

لا يرى الفلسطينيون نهايةً لاحتلال الجيش الإسرائيلي لأراضيهم

وفي ظل التحالف الوثيق بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقود الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، لا يرى الفلسطينيون نهايةً لاحتلال الجيش الإسرائيلي لأراضيهم.

فقد جاء في تصريحٍ لصائب عريقات، كبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية: «سوف تُرفض محاولات الترويج لتطبيعٍ اقتصاديٍّ لاحتلال فلسطين من جانب إسرائيل. لا يتعلق هذا بتحسين الظروف المعيشية في ظل الاحتلال، بل بالوصول إلى الإمكانات الكاملة لفلسطين، عن طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي».

وقالت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تغريدةٍ لها: «تحاول «ورشة عمل» كوشنر في البحرين تهميش الضرورات السياسية والقانونية لأي سلام عادل. نحن نُعرِّف «الرفاه» الفلسطيني بأنَّه إصدار التشريعات التي تضمن حقوقنا، بما فيها حقّ العيش على أراضينا في حرية وسيادة، وليس بياناً لاستساغة أَسرِنا».

 

الاقتصاديون الفلسطينيون يقاطعون ورشة عمل البحرين

وأشار العديد من المديرين التنفيذيين في الشركات الفلسطينية، الذين وُجهت إليهم دعواتٌ من إدارة ترامب لحضور ورشة عمل البحرين إلى أنَّهم لن يحضروا. وفي حديثه إلى زملائي، قال إبراهيم برهم، مؤسس شركة للخدمات الكهربائية والهندسية في فلسطين: «يبدو كما لو أنَّهم دعوا كثيراً من رجال الأعمال، لكنَّها قضية تتعلق بمصلحتنا الوطنية، لا نستطيع أن نفصل بينها وبين ما يحدث في الساحة السياسية».

وفي حديثه إلى صحيفة The New York Times، وصف رائد أعمال فلسطيني أمريكي الدعوة بأنَّها «رشوة صارخة»، وشبَّه دعوات الاستثمار التي وجَّهها كوشنر بـ «محاولة خنق امرأة، وفي الوقت ذاته نعطيها طلاء أظافر».

وجادل آخر بأنَّ المال ليس ما يحتاجه الفلسطينيون، بل التخلص من تطويق المستوطنات اليهودية والسيطرة المتعجرفة لقوات الأمن الإسرائيلية. وقال سام بحور، الخبير الاستشاري المقيم في رام الله، في حديثه إلى صحيفة The New York Times: «لا نفتقر إلى المال، ولا المعرفة، ولا الفوائد. نحن نفتقر إلى الموارد: الأرض، والماء، والانتقال، وإمكانية الوصول، والتواتر. لا يتطلب هذا خطةً كبيرة، ولا يتطلب ورشة عمل كبيرة، بل يتطلَّب أن تبعد إسرائيل يدها عن رقبتنا من الناحية الاقتصادية على الأقل».

الوعود بالتحسن الاقتصادي لا تُوقف تطلعات الفلسطينيين

وأشار خبراء إلى الآمال الكاذبة السابقة المشهودة عندما أخفقت الخطط المؤسسية الكبيرة وسط الدمار والاضطرابات. فكتب شبلى تلحمي، كبير الباحثين في مركز سياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينغز: «عندما انهارت المفاوضات السياسية اندلع العنف، واحترقت الاستثمارات. افتراض أنَّ الوعود بالتحسن الاقتصادي يمكن أن تفوق التطلعات العادية للشعب الذي خاض نضالاً شاقاً لعقود ما هو إلا استيعاب خاطئ لطبيعة الوضع الإنساني».

أبدى نتنياهو صراحةً عدم اهتمامه بإنهاء الاحتلال، وترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية ضمّ الأراضي الفلسطينية. ويُلقي المسؤولون الإسرائيليون وأنصارهم الأمريكيون باللائمة في فشل عملية السلام على القيادة الفلسطينية، واستمرار العداء من جانب الجماعات الإسلامية المسلحة مثل حركة حماس، التي تحكم قطاع غزة المحاصر، وينصح المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون، الفلسطينيين بالنظر إلى العملية التي يقودها كوشنر بعقلٍ منفتح، وأن يمنحوا فرصةً للسلام، أو على الأقل النسخة الترامبية من هذا السلام.

فأصرَّ جيسون غرينبلات، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أنَّ البيت الأبيض لديه خطة سياسية قابلة للتطبيق، وليس فقط خطة اقتصادية.

وكتب غرينبلات في تغريدةٍ له: «إلى هؤلاء الذين يزعمون خطأً أنَّ رؤيتنا هي رؤية سلام اقتصادي وحسب: لقد أوضحنا أنَّ الرؤية الاقتصادية التي نطرحها لا يمكن أن توجد من دون المكون السياسي، وأنَّ المكون السياسي لا يمكن أن ينجح من دون الاقتصادي، لا تصدقوا الشائعات التي تقول إنَّ الخطة اقتصادية فقط، ليست كذلك».

 

ترسخ مغامرة كوشنر عمداً أو بسذاجة  سيادة الإسرائيليين على الفلسطينيين

لكن النقاد استشهدوا بخطاب غرينبلات -الذي يوبخ بصفةٍ متكررة المسؤولين والمعلقين الفلسطينيين على موقع تويتر- باعتباره دليلاً على النية السيئة لإدارة ترامب. فكتب حسين إيبش، الباحث المقيم لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن: «حسب رواية (غرينبلات)، فإنَّ إسرائيل تتعرض لهجوم من جانب عرب متعصبين تعرَّضوا لغسيل مخ وممتلئين بالكراهية، ولم يعترف أبداً بتأثير الاحتلال الإسرائيلي أو نزع الملكية والحرمان والنفي الذي يتعرض له الفلسطينيون».

تقود مغامرة كوشنر لتحقيق السلام الإسرائيليين والفلسطينين عمداً أو بسذاجة نحو مسارٍ يرسخ سيادة الإسرائيليين على الفلسطينيين. ويخشى أنصار حلِّ الدولتين من أنَّها قد تكتب شهادة وفاة لآخر الآمال العابرة للتوصل إلى اتفاقٍ حقيقي. ففي تصريحٍ مرسل عبر البريد الإلكتروني، قال جيرمي بن عامي، رئيس ومؤسس جماعة جاي ستريت، وهي جماعة ليبرالية مناصرة لإسرائيل مؤيدة للسلام ومستقرة في واشنطن: «محاولة كوشنر للتوصل إلى حلٍّ اقتصادي من أجل هذا الصراع السياسي القديم محكوم عليها بالفشل، وربما تمهد الطريق لخطواتٍ كارثية مثل الضم الرسمي، الذي يمكن أن يقوض أي جهود مستقبلية للتوصل إلى سلام دائم».

لا يدفن  ترامب فقط حل الدولتين، بل إنَّه يرقص بكل سرور على قبره

وأعرب روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عن أسفه لرفض البيت الأبيض الاستعانة بـ «أصحاب الخبرات»، في إطار تسرّعه للتوصل إلى اتفاقية، فضلاً عن عقلية المعاملات الضيقة المستخدمة في هذه الإجراءات من جانب ترامب وكوشنر، اللذين اكتسبا خبراتهما من سوق العقارات شديد التنافسية في نيويورك.

فكتب ساتلوف: «خلافاً لأي عملية عقارية يحصل فيها طرف على الممتلكات ويحصل الآخر على الأموال، تبدأ أي اتفاقية سلام في الشرق الأوسط، وتنتهي (بحقيقة) أنَّ الطرفين جيران، وعالقان مع بعضهما، ويتشاركان عقاراً بطابقين إلى الأبد».

وبينما تمضي جهود البيت الأبيض قدماً، قد يتحول التركيز إلى ما ستبدو عليه هذه الترتيبات المعيشية. إذ إنَّ ذلك الحديث -المتعلق بأن يحظى الفلسطينيون بحقوق متساوية في دولة واحدة- هو حديث لا يريد الخوض فيه في واشنطن وتل أبيب إلا قليلون جداً.

وقال يوسف منير، المدير التنفيذي للحملة الأمريكية من أجل الحقوق الفلسطينية، لصحيفة Politico: «في الوقت الحالي، لا يدفن ترامب فقط حل الدولتين، الذي لم يكن قابلاً للبقاء على أي حال، بل إنَّه يرقص بكل سرور على قبره، وبالتالي فإنَّه يجبر الناس على التوقف عن إنكار وفاته. من المهم بالنسبة إلينا أن نردَّ بكل وضوح بأنَّنا نريد حقوقاً متساوية في دولة واحدة».