صورة تعبيرية

يطلقون عليه "مُزين".. لا يزال الحلاق يعامل بتحقير وعنصرية في اليمن!

صنعاء – فارس قاسم :

“هؤلاء أساؤوا لنا كنخبة في البلد، تحولوا إلى مزينين!”، قال رجل يمني أربعيني يدعى نبيل عبده، مخاطباً مجموعة من أصدقائه، في مجلس مقيل، تعليقاً على شبان من عزلته الريفية التابعة لمحافظة تعز، انخرطوا بالعمل في مهنة الحلاقة (قصات الشعر)، في مدينة عدن جنوبي اليمن.


إلى جانب الرجل في المجلس الكائن بمنزله بصنعاء، 6 أشخاص آخرين من نفس العزلة (الأعبوس) التابعة لمديرية حيفان جنوبي مدينة تعز.


كان الجميع يقهقه، مؤيدين ما اعتبروه إهانة لهم، بينما يرى آخرون وباحثون عكس ذلك. وأضاف نبيل، وهو موظف حكومي بصنعاء، قائلاً: “لو أن أجدادنا ما زالوا على قيد الحياة، لأجبروا عائلات هؤلاء الشبان على عدم إرسالهم للعمل في هذا المجال، وإذا رفضوا ربما تبرأوا منهم، وهجروهم من المنطقة”.


ويتابع: “أشعر بالخجل عندما أسمع شخصاً من صنعاء يحقر أبناء تعز كونهم يعملون خبازين في المطاعم ومهن أخرى كالحلاقة”.

عنصرية

والمزين أو المزاينة، مصطلح عنصري تمييزي يطلقه بعض اليمنيين على شرائح من المواطنين والفئات التي تقوم ببعض الخدمات، بينهم الحلاقون والجزارون والخدم، وذوو البشرة السوداء، ومن يقومون بالأغاني في الأفراح وغيرها. “لأنها مهن تخدم آخرين اعتبرت محتقرة، وبالتالي احتقر هؤلاء، وبموجبه احتلوا موقعاً متدنياً في السلم الاجتماعي اليمني”، بحسب أكاديمي متخصص في علم الاجتماع.


وقذفت الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من 4 سنوات، بملايين السكان إلى شفا المجاعة، وتسببت بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة.


وضاعف من تدهور الوضع الإنساني، عجز سلطات الأطراف المتصارعة، عن دفع رواتب نحو مليون و200 ألف موظف حكومي، للعام الثالث على التوالي، فضلاً عن تسريح عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص، بسبب التداعيات الاقتصادية للنزاع.

“هذا التحقير يؤلمني”

يقول مجيد عبدالله (19 عاماً)، وهو أحد الشبان الذين يعملون في مهنة الحلاقة في عدن: “هذا استحقار واضح. أنا سعيد بهذا العمل، لكن هذا التحقير يؤلمني”.


وأضاف لـ”المشاهد”، عبر الهاتف: “أعمل في هذه المهنة منذ كنت في سن الـ14 من العمر، في الريف، ومؤخراً انتقلت للعمل في عدن. نجحت من خلالها في الإنفاق على أسرتي (والديه و4 أشقاء). هذا العمل هو الوحيد الذي أجيده”.


ووالد مجيد موظف حكومي راتبه منقطع منذ أكثر من عامين، مثل مئات آلاف الموظفين الحكوميين في اليمن.


“العيب أن نسرق، والحلاقة مهنة مدرة للدخل في عدن”، وفقاً لمجيد عبدالله، مضيفاً: “أكسب على الأقل 5 آلاف ريال (10 دولارات أمريكية) في اليوم الواحد”.


وإلى جانب تأمين قوته وأسرته، يقول مجيد، إنه استطاع ادخار بعض المال، فضلاً عن امتلاك دراجة نارية، باتت توفر له أيضاً دخلاً يومياً لإعانته على تكاليف حياته المعيشية اليومية.


ويفكر الشاب ذاته، الذي تخرج العام الماضي من دراسة الثانوية العامة، في الالتحاق بإحدى الجامعات، مع الاستمرار في الحلاقة، لمواصلة الإنفاق على نفسه وأسرته.
ويوضح مجيد: “العيب أن نتسول أو نسرق، أو نستسلم للظروف الصعبة، أما هذا العمل أو غيره فليس عيباً، وهو أفضل من الجلوس دون عمل، لأن ذلك سيصيبني بحالة نفسية”.

أكثر المتضررين

يتفق معه هاني عمر، الذي كان يقف في ذات المحل، حيث يعمل في المهنة نفسها منذ 3 سنوات.


وقال هاني، الذي تخرج قبل 4 سنوات، من إحدى الجامعات اليمنية، ولم يحصل على وظيفة تناسب تخصصه (معلم): “ليس لدينا حل آخر، إما أن نعمل أو نسرق، أو ننضم للجماعات المتحاربة في البلاد”.


وأضاف لـ”المشاهد”: “المهم أنني أعيش من هذا العمل، ليس مهماً ما يقوله الآخرون عني، نحن الشباب أكثر المتضررين من الوضع القائم في اليمن”.

الباحث المغربي :تكريس ثقافة التمايز، ومخاطبة الناس بصفاتهم في المجتمع اليمني، تعود إلى فترة حكم المملكة المتوكلية، التي أطاح بها اليمنيون عام 1962، “حالياً عادت الأمور إلى نفس تلك الفترة للأسف”.

العودة إلى الماضي

إلى ذلك، يقول مروان المغربي، وهو باحث اجتماعي يمني: “اجتماعياً من ينظر إلى هذه المهنة باحتقار، لديه بالفعل مرض نفسي، لأنه يستجيب لضغوط المجتمع ببعض القيم الرذيلة”.


وذكر المغربي لـ”المشاهد” أن من الأسباب التي تجعل أشخاصاً يحتقرون بعض المهن، التنشئة الاجتماعية الخاطئة، “وهذا بدوره يتعارض مع قيم الإسلام التي تدعو إلى المساواة”.


ويؤكد الباحث الاجتماعي، أن تكريس هذه الثقافة والتمايز، ومخاطبة الناس بصفاتهم في المجتمع اليمني، تعود إلى فترة حكم المملكة المتوكلية، التي أطاح بها اليمنيون عام 1962، “حالياً عادت الأمور إلى نفس تلك الفترة للأسف”.


ويوضح تراجع القيم الإيجابية في المجتمع اليمني، حيث العنصرية والعيب الاجتماعي، طغى على معاملات الناس اليومية، ووصل الأمر – حسب رأيه – إلى عدم قبول التزاوج من طبقة إلى أخرى.


وأشار مروان المغربي، إلى أن الحكومات اليمنية المتعاقبة لم يكن لها أي دور في محاربة هذا الجانب، وإحداث تغيير اجتماعي حقيقي.


وهناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها، برأي المغربي، للحد من هذه الظاهرة، وإنشاء جيل جديد يتقبل الآخر، بدءاً بـ”إصلاح منظومة التعليم، وتضمين المناهج الدراسية مواضيع تحارب العنصرية واحتقار الآخر، وتنمي مشاعر التعايش والتضامن، إضافة إلى تفعيل دور الأسرة والمجتمع والمسجد في إذكاء هذه القيم”.


وشدد على أهمية إيجاد نصوص قانونية تردع وتعاقب من يمارس هذه السلوكيات، ودولة قوية تساوي بين الجميع.

المشاهد نت