محادثات السويد

تحليل.. لماذا لم تنجح جولات السلام اليمنية السابقة؟

مصطفى ناجي الجبزي

 

تقف عوامل كثيرة حالت دون التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب في اليمن ويحل السلام، منها: 

⁃ طبيعة المشكلة اليمنية وتوافر سرديتين على الأقل تجاه مع حدث؛ أي انقلاب أو عدوان. وبالتالي هناك موقفان متمايزان، مع سردية ثالثة مائعة تتهرب من الوقوف على جوهر المشكلة وتقف على النتائج لا الأسباب. 

 

⁃ التداخل في عوامل المشكلة من اجتماعية ودينية واقتصادية وتاريخية. وتشكيل اقتصاد حرب تستفيد منه قطط "خبيثة" متوافقة في الهدف الربحي وإن كانت تتواجد في ضفتين متعارضتين. 

 

⁃ اختلال ميزان القوى العسكرية بين مكونات المجتمع ما أتاح لطرف تكريس هيمنة خصوصاً والحوثي قد استفاد من ترسانة صالح العسكرية. 

 

⁃ الرغبة في الانتقام ضمن دورات انتقام تاريخي تجعل المعركة بلا معنى وتحيد عن مسارها الوطني. والمقصود هو الثأر كمحرك رئيس في المشهد السياسي اليمن منذ أمد. وبسبب رغبة الانتقام لم تتشكل بعد كتلة وطنية سياسية وعسكرية شمالية وجنوبية لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة واستكمال العملية الانتقالية. 

 

⁃ العامل الاقليمي والتفاوت في أهداف الفواعل الاقليمية في طرف التحالف. وكذلك استسهتار إيران بمصير اليمن واستخفافها بالحوثيين والتعامل معهم ليس كحليف له التزامات قانونية تجاه من يخضعون لسلطته ولكن قفازات أذى للسعودية. أضف إلى ذلك درجة الارتهان العالية لدى الأطراف اليمنية تجاه الفواعل الاقليمية. 

 

⁃ التراخي الدولي أمام المسألة اليمنية. واستمراء إطالة الصراع لما يدر من أرباح ومصالح. وأسوأ من هذا محاولات القفز على المرجعيات المؤسسة للحل السياسي ومساره في اليمن منذ 2011. هناك تعامل يستخف بالواقع اليمني ويحاول فرض الحوثيين كقوة عسكرية نتيجة للأمر الواقع. وهذا يشجع التمردات المستقبلية وتفخيخ السلام والاستقرار في اليمن من خلال اعتماد نتائج استعمال السلاح والقوة. 

 

⁃ اطالة أمد الحرب والدخول في تعقيدات كبيرة. 

 

لكن ينبغي الإشارة إلى:  

أولا: وجود تصور سطحي لطبيعة العلاقات الاجتماعية في اليمن ما جعل كثيرا من المحللين والدبلوماسيين والمقربين من المبعوثين يعولون على النوايا الحسنة والسلوك الاعتيادي للمتخاصمين اليمنيين في خصوماتهم التقليدية (صَلاتهم معاً، لقاءاتهم ومصافحتهم ووجوههم البشوشة ...) بما يوحي بإمكانية حل الصراع على الطريقة التقليدية (ثلثين بثلث). وهناك مسار يحاول تفعيل دور القبيلة في حل الصراع في اليمن بينما طبيعة الصراع تتجاوز الإطار القبلي إلى صراع أعمق وأبعد من الخصومات حول قِطَع الارض أو الأشجار أو "مكارع" الماء. 

 

ثانيا: ان الحركة الحوثية تسلك مسلكاً فوق يمني في أداءها العسكري والسياسي. ولهذا عجزت معها المقاربات الاجتماعية. لقد اُنجِزت عشرات الاتفاقات القبلية مع الجماعة الحوثية لكنها لم تف بواحدة منها. إنما استخدمتها تكتيكياً لتحييد خصومها وتفكيك اجتماعهم لتنال منهم واحدا تلو الآخر. علينا استحضار كلمة الشيخ صادق الأحمر حينما قال: (... ما وجه السيد عبد الملك قد عرفناه)، في إشارة منه إلى فقدان الثقة بالمقاربات الاجتماعية مع عبد الملك الحوثي لتنكره للالتزامات والأعراف القبلية. 

 

ثالثا: الهدف الكلي للحركة الحوثية وأسسه ذات الطابع العقائدي يجعلها بعيدا عن حقل السياسة ولهذا لا تتمكن المقاربات السياسية وأدواتها الدبلوماسية من التعامل معه. 

 

رابعا: ان المنخرطين من الأوساط المدنية في عملية السلام إما أقل وعياً بإبعاد الصراع وجوانبه، أو انهم يستسلمون لمقاربات حل الأزمات التي تفصل المشاكل عن جذورها وتعمل بذهنية إطفاء الحرائق لا ازالة اسبابها. او ان بعضهم يجد في هذه العملية فضاء جديدا للظهور والنجومية. وهذا تطلع مشروع، خصوصاً بين الشباب. لكن تبعاته الوطنية مرهقة. 

 

هذه أفكار عاجلة على ضوء متابعة هذا المسار المسدود الأفق الى حد اللحظة. مع أملي الكبير بالعقول النيرة والجادة التي تنخرط في الشأن اليمني واليمنية خصوصا.