[ معلم بتعز بادر وحول منزله إلى مدرسة لاحتضان طلاب منطقته بعد توقف مدرستهم عن العمل لوقوعها على خط تماس الحرب/

تعز.. مبادرة معلم حَوّلَ منزله إلى مدرسة، تكشف واقع التعليم في ظل الحرب وغياب الحكومة (تقرير)

مازن فارس- يمن شباب نت

في مبادرة مجتمعية ملفتة ونادرة حظت بترحيب وإشادة كبيرين، أقدم أستاذ تربوي في مدينة تعز- جنوبي غرب البلاد- على تحويل منزله الخاص إلى مدرسة حكومية لتعليم الأطفال دون أي رسوم مادية، بعد توقف مدرستهم الوحيدة في المنطقة عن العمل جراء الحرب التي تمر بها المحافظة منذ قرابة أربعة أعوام.
 
"عادل الشريحي"، تربوي تبرع بمنزله قيد الانشاء، لاستقبال الطلاب في منطقة "السلامي"، الواقعة بالقرب من معسكر الدفاع الجوي (شمال غربي المدينة)، بعد أن أصبحت المدرسة الحكومية الوحيدة في المنطقة عرضة للاستهداف والقصف من قبل مليشيا الحوثي الانقلابية.
 
يقول الشريحي لـ "يمن شباب نت" إن أكثر شيء دفعه لذلك هو "الخطر الذي يحدق بأبنائنا الطلاب، الذين باتوا عرضة للقصف والقذائف والالغام، فكان الهدف من تحويل منزلي إلى مدرسة هو لملمة الطلاب وإعادتهم للدراسة وحمايتهم من خطر الحرب والقصف، وخطر الضياع والتسرب من الدراسة".
 
وتستوعب "مدرسة النهضة"- (منزل الشريحي سابقا)- 700 طالب، ويجري التدريس فيها منذ نحو أربعة أعوام بواسطة معلمين حكوميين نازحين، وطلبة جامعيين متطوعين للتعليم المجاني. لكن الشريحي ما زال يطالب الجهات الرسمية بتوفير الكتاب المدرسي والمستلزمات الأساسية الأخرى للتعليم.



مبادرة إيجابية في واقع مرير
 
ولقيت هذه الخطوة ترحيبا وارتياحا كبيرا في أوساط سكان المنطقة، باعتبارها "مبادرة ايجابية لاحتواء أطفالهم ووقايتهم من الضياع والتشرد". كما يؤكد المواطن أحمد فرحان- من أبناء المنطقة.
 
ويضيف فرحان لـ"يمن شباب نت"، أن دور الشريحي لا يقتصر على تدريس الاطفال فحسب، بل يقوم بتنظيم مهرجانات وفعاليات ومسابقات لتحفيز الطلاب وتشجعهم على الانخراط في التعليم، بدلاً من الضياع والتشرد، خصوصاً في ظل الحرب الدائرة التي تجعل معظم الأطفال عرضة للتجنيد.
 
وتحيط بـ"مدرسة النهضة"، 13 مدرسة أهلية، لكن غالبية السكان في هذه المنطقة غير قادرين على الحاق ابنائهم بها، بسبب التكاليف الباهظة، وفي ظل التدهور الاقتصادي الكبير الذي لحق بالبلاد.
 
وتسلط هذه المبادرة، الضوء على الواقع التعليمي المرير الذي تعيشه البلاد جراء ما خلفته الحرب من دمار طال كل جوانب الحياة.
 
"وهناك أكثر من 2,500 مدرسة باتت خارج الخدمة، 66 في المائة منها تضررت جراء الاقتتال في البلاد، كما تم إغلاق 27 في المائة منها، وسبعة بالمائة من هذه المدارس تستخدم لأغراض عسكرية أو كمأوى للنازحين". بحسب تقرير صادر عن منظمة اليونسيف، في مارس/ الماضي، وحمل عنوان: "مالم يكونوا في المدارس: أطفال اليمن ودروب الضياع".
 
وتعاني مدينة تعز، بشكل خاص، من تردي الواقع التعليمي، بعد نحو أربع سنوات من حرب ما تزال مستمرة، أسفرت عن تدمير آلاف المدارس كلياً أو جزئياً، وعشرات المعاهد الفنية والتقنية، ما أدى إلى توقف العملية التعليمية- بشكل كلي- في معظم المناطق المتضررة، أو تلك الواقعة حتى الأن في خطوط تماس المواجهات؛ فيما توقفت جزئيا في مناطق أخرى أقل تضررا.
 
وقال رئيس مركز الدراسات والاعلام التربوي، أحمد البحيري، إن نحو 420 مدرسة تضررت بشكل جزئي وكلي من بداية الحرب في عموم مديريات محافظة تعز. وأكد على أن " التعليم في تعز يواجه الكثير من الصعوبات، ولا يمكن فصلها عن الصعوبات التي يواجهها التعليم في اليمن بشكل عام".
 
وبين البحيري لـ "يمن شباب نت" أبرز الصعوبات التي يواجهها التعليم في تعز بانها تتمثل في "انقسام الوضع الإداري، وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، تزايد اعداد النازحين والمهجرين بالإضافة إلى عدم توفر الاحتياجات الضرورية والميزانيات التشغيلية للمدارس والمكاتب التربوية، وعجز في الكتاب المدرسي".
 
دارسة فوق الأنقاض
 
ويشكّل نقص الأبنية المدرسية الصالحة للدراسة عقبة رئيسية أمام التعليم في مختلف مناطق المدينة، بعد الدمار الذي لحق بمعظم المدارس نتيجة الحرب، وعدم الشروع بتأهيلها مجدداً بعد التحرير. فرغم سيطرة الحكومة الشرعية على أجزاء واسعة من المدينة، لم تستطع حتى اليوم من ترميم سوى عشرات المدارس بدعم من منظمات وجهات خارجية، تزامناً مع بدء العام الدراسي.
 
 

مدرسة "أروى" للبنات، واحدة من تلك المدارس التي يتعلم فيها مئات الطلاب فوق الأنقاض. وكانت المدرسة الواقعة في حي ثعبات- جنوب شرق المدينة- عبارةعن ثكنة عسكرية ومخزن للسلاح لميليشيات الحوثي إبان سيطرتها على تلك الأحياء مع بداية الحرب. ورغم مرور ثلاث سنوات على تحريرها من يد الحوثيين، إلا أنها ظلت بعد ذلك تحت سيطرة مجاميع مسلحة، إلى ما قبل أسابيع قليلة فقط، حيث قامت الحملة الأمنية باستعادتها وتسليمها لإدارة المدرسة.
 
وتقول مديرة المدرسة، انتصار أنعم: "افتتحنا هذا العام الدراسي قبل أيام قليلة فقط، بعد اغلاق دام أكثر من ثلاثة أعوام، تعرضت خلالها المدرسة لدمار كبير، وطالها العبث ونهب محتوياتها".
 
وتضيف لـ"يمن شباب نت": "ورغم ذلك، إلا أننا اليوم ندرس أبنائنا الطلبة فوق الدمار، وهذا يمثل تحدي ومقاومة لإعادة مسار العملية التعليمية، التي هي وحدها القادرة على بناء المستقبل المشرق لليمن".
 
واستغلت أنعم الفرصة، لتجدد- عبر "يمن شباب نت"- دعوتها للجهات الرسمية إلى ترميم المدرسة وتأهليها وتوفير المستلزمات الضرورية.
 

حلول جماعية.. والمعلم اولاً
 
وفي ظل استمرار الحرب الدائرة في تعز والحصار المفروض عليها من قبل مليشيا الحوثي الانقلابية منذ نحو ثلاثة أعوام ونصف يصعب إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لمواجهة تدهور التعليم.
 
وبحسب رئيس مركز الدراسات والاعلام التربوي، أحمد البحيري، فإنه بات من الضروري اليوم "أن نتحدث عن التعليم كمسؤولية جماعية. وهذا يتطلب منا مقاربة حلول جماعية، وايجاد أطر مؤسسية تكفل اشراك الجميع في تحمل المسؤولية تجاه التعليم"..
 
وعلى سبيل المثال- يضيف: قد تلعب اللجان المجتمعية لكل مدرسة دورا في تحقيق شراكة مجتمعية فاعلة لمعالجة كثير من المشكلات، مشددا على ضرورة الاهتمام بالمعلم والانتظام في صرف مرتبه وإيجاد مبادرات تساهم في معالجة ضعف التحصيل الدراسي.
 
ويعتقد أنه "بالمعلم الجيد، نستطيع ان نتجاوز مشكلات العجز في الكتاب المدرسي، ونوجد كثير من الحلول للمشاكل الصفية".
 
ودعا بيان مشترك صادر عن كل من: مبادرة "التعليم لا يمكن أن ينتظر"، و"الشراكة العالمية للتعليم"، واليونسكو واليونيسف، إلى "استئناف دفع رواتب المعلمين اليمنيين والبالغ عددهم 145 ألف معلّم، يعلّمون الأطفال تحت ظروف في غاية الصعوبة تهدد حياتهم".
 
وإذ أكد البيان المشترك، الذي صدر في 5 أكتوبر/ تشرين أول الجاري بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، على أن الحرب "دفعت ما لا يقل عن نصف مليون طفل خارج مقاعد الدراسة منذ عام 2015"، فقد لفت إلى أن "هناك 3.7 مليون طفل آخرين معرضون لخطر خسارة العام الدراسي الحالي، إن لم تُدفع رواتب المعلمين".
 
ويعتبر هذا العام الدراسي الخامس الذي يأتي في ظل الحرب الدائرة منذ سبتمبر 2014، ولايزال التعليم يواجه تحديات عدة، أبرزها توقف رواتب المعلمين، وكذا غياب- أو بالأحرى نقص- في المطبوع من الكتب المدرسية في جميع المحافظات. إضافة إلى إهمال وعدم الشروع في ترميم ما تبقى من المدارس التي تضررت جراء الحرب.