القراءة الموضوعية للواقع اليمني، لا بد أن تأخذ منحى تفكيك مفردات الواقع المأزوم والشائك والمعقد، الناجمة من قوى عصبوية متسلطة، تسعى بمنطق التغلب بالعصبوية والجهوية، وبسيكلوجية القهر وثقافة العنف، وبفائض ما امتلكته من قوة من قوت ملايين اليمنيين؛ لفرض حكمها وإدارتها لشؤون اليمن، بما يتفق مع أهدافها، ويجسد مصالحها، التي تقف على النقيض من مصالح الشعب اليمني، ما يجعل أزمة الحكم، هي الملمح الرئيس في المشهد اليمني، وستظل كذلك، حتى يتوصل اليمنيون لاتفاق لصيغة جديدة للحكم، لا تقتصر على معالجة شكل الحكم، وطريقة الوصول إليه، بل تتناول عقلية الحكم، التي لا يُقصد بها عقلية الحكام، بل آليات نظام الحكم في ممارسة سلطاته وحدودها.
عند وقوفنا بهدوء وتمعن على الوضع اليمني، قبل ثورة 11 فبراير/شباط 2011م وبعدها، نجد بما لا يدع مجالًا للشك، أنه لم يجرِ أي تعديل في مسار نظام الحكم في اليمن، وتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يعني ذلك أننا في صدد، تبرير إخفاق الربيع اليمني، في الوصول لأهدافه، التي من أجلها اليمنيون أشعلوا ثورة شعبية سلمية، شهد لطهرها الأعداء قبل الأصدقاء، وإنما محاولة منا لوضعه في سياقه الطبيعي..
وفي الغالب يورد كثير من المهتمين بالشأن اليمني، عدة أسباب تفسر الانتكاسات، التي تعرض لها ربيع اليمنيين، والتي توجت بانقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014م منها: جرعة المشتقات النفطية، وتقاطع مصالح قوى يمنية وأطراف إقليمية، في القضاء على مراكز قوى الإخوان المسلمين العسكرية والاجتماعية والسياسية، لكن تلك الأسباب لم تكن إلا أعراضًا لمتلازمة أساسية، هي تعاطي الرئيس عبدربه منصور هادي، مع المرحلة الانتقالية، وفق نمط وعقلية الحكم، التي اعتمد عليها سلفه المخلوع علي عبدالله صالح، مع الافتقار للشفافية والمحاسبة، وإذا كان الصراع الدائر في الساحة اليمنية، قبل الانقلاب على المرحلة الانتقالية، بدا وكأنه صراع بين حزب التجمع اليمني للإصلاح وقواه العسكرية والقبلية، والحوثيين وأنصار المخلوع علي عبدالله صالح، فإنه اليوم يأخذ ببعده الداخلي طابعًا آخر، هو الصراع بين السلطة اليمنية الشرعية، ومليشيات الانقلاب الحوثية والصالحية، بيد أنه يتوارى خلف هذا الصراع العنيف، أزمة صراع على الحكم، استبدلت الموجهات الوطنية الدستورية والقانونية، الضابطة لهذا الصراع، بموجهات عصبوية مذهبية، ولَّدت في المجتمع اليمني انقسامًا طبقيًّا حادًّا للغاية.
هناك عوامل تَمَكَّن حلف الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح من توظيفها؛ للقيام بانقلاب على ثورة 11 فبراير 2011م ومخرجاتها، يأتي في مقدمتها، استغلال وجود تناقض، بين أسباب وغايات وطموحات ثورة 11 فبراير، وبين اختزالها بقوى تقدمها، وكأنها صراع على المكاسب السياسية، والوصول لسدة الحكم، إضافة لوجود عملية ثورية، يغيب عنها أطر لقوى ثورية، بمقدورها الاستفادة من هذه العملية، ودفعها في المسار الصحيح، وحتى يتاح لليمنيين فرصة لبناء دولة مدنية، ذات نظام حكم وطني ديمقراطي، وكي يذوق اليمنيون طعم ربيعهم، وثمار تضحياتهم الجسيمة، في كل مراحل نضالهم الوطني، فإن عليهم أن تكون جهودهم الثورية منظمة، وتحت قيادة جماعية، قادرة على ترجمة طاقاتهم الثورية، لمشروع سياسي وطني قابل للتنفيذ.